فالأول العرق ، وهو ما جرى في أصول الشعر من ماء الجلد . تقول : عرق يعرق عرقا . قال : ولم أسمع للعرق جمعا ، فإن جمع فقياسه أعراق ، كجمل وأجمال . ورجل عرقة : كثير العرق . ويقال : استعرق ، إذا تعرض للحر كي يعرق .
ومن الباب : جرى الفرس عرقا أو عرقين ، أي طلقا أو طلقين . وذلك من العرق . ويقال : عرق فرسك ، أي أجره حتى يتعرق . قال الأعشى :
يعالى عليه الجل كل عشية ويرفع نقلا بالضحى ويعرق
ويقال : اللبن عرق يتحلب في العروق حتى ينتهي إلى الضرع . قال الشماخ :
تضح وقد ضمنت ضراتها عرقا من طيب الطعم حلو غير مجهود
ولبن عرق ، وهو أن يجعل في سقاء فيشد بجنب البعير فيصيبه العرق [ ص: 284 ] فيفسد . وأما عرق القربة في قوله : " جشمت إليك عرق القربة " فمعناه فيما زعم يونس : عطية القربة ، وهو ماؤها ، كأنه يقول : جشمت إليك حتى سافرت واحتجت إلى عرق القربة في الأسفار ، وهو ماؤها . ويقال : عرق له بكذا ، كأنه تندى له وسمح . قال :
سأجعله مكان النون مني وما أعطيته عرق الخلال
يقول : لم أعطه عطية مودة ، لكنه أخذته قسرا . والنون : السيف . وقال بعضهم : جشمت إليك حتى عرقت كعرق القربة ، وهو سيلان مائها . وقال قوم : عرق القربة أن يقول : تكلفت لك ما لا يبلغه أحد حتى تجشمت ما لا يكون ; لأن القربة لا تعرق ، يذهب إلى مثل قولهم : " حتى يشيب الغراب " . وكان يقول : عرق القربة كلمة تدل على الشدة ، وما أدري ما أصلها وقال الأصمعي ابن أبي طرفة : يقال لقيت من فلان عرق القربة ، أي الشدة . قال : وأنشد الأحمر :
ليست بمشتمة تعد وعفوها عرق السقاء على القعود اللاغب
يمدح رجلا يسمع الكلمة الشديدة فلا يأخذ صاحبها بها .
[ ص: 285 ] ومن الباب : عرقت في الدلو ، وذلك إذا كان دون الملء ، كأن هذا لقلته شبه بالعرق . ويقال للمعطي اليسير : عرق . قال :
لا تملأ الدلو وعرق فيها أما ترى حبار من يسقيها
ويقال : كأس معرقة ، إذا لم تكن مملوءة ، قد بقيت منها بقية . وخمر معرقة ، أي ممزوجة مزجا خفيفا ، شبه ذلك المزج اليسير بالعرق . وقال في المعرق القليل المزج :
أخذت برأسه فدفعت عنه بمعرقة ملامة من يلوم
والأصل الثاني السنخ المتشعب . من ذلك العرق عرق الشجرة . وعروق كل شيء : أطناب تنشعب من أصوله . وتقول العرب : " استأصل الله عرقاتهم " زعموا أن التاء مفتوحة ، ثم اختلفوا في معناه ، فقال قوم : أرادوا واحدة وأخرجها مخرج سعلاة . وقال آخرون : بل هي تاء جماعة المؤنث لكنهم خففوه بالفتحة ويقال : أعرقت الشجرة ، إذا ضربت عروقها فامتدت في الأرض .
ومن هذا الباب : عرق الرجل يعرق عروقا ، إذا ذهب في الأرض . وهذا تشبيه ، شبه ذهابه بامتداد عروق الشجرة وذهابها في الأرض .
فأما قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : [ ص: 286 ] فهو مثل . قال العلماء : العروق أربعة : عرقان ظاهران ، وعرقان باطنان . فالظاهران : الغرس والبناء ، والباطنان البئر والمعدن . ومعنى العرق الظالم أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسا أو يحدث شيئا يستوجب به الأرض . من أحيا أرضا ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق
والعرق : نبات أصفر . ومن أمثالهم : " فلان معرق [ له ] في الكرم " ، أي له فيه أصل وسنخ . وقد عرق فيه أعمامه وأخواله تعريقا ، وأعرقوا فيه أعراقا . وقد أعرق فيه أعراق العبيد ، إذا خالطه ذلك وتخلق بأخلاقهم . ويقال : تداركه أعراق خير وأعراق شر . قال الشاعر :
جرى طلقا حتى إذا قيل سابق تداركه إعراق سوء فبلدا
والعريق من الخيل والناس : الذي له عرق في الكرم . وفلان يعارق
فلانا ، أي يفاخره ، ومعناه أن يقول : إننا أكرم عرقا . ويقال : " عرق في بنات صعدة " وهي الحمر الأهلية . وقول عكراش بن ذؤيب : " أتيته بإبل كأنها عروق الأرطى " أراد أنها حمر ، لأن عروق الأرطى حمر ، وحمر الإبل كرائمها . قال :
يثير ويبدي عن عروق كأنها أعنة جراز تحط وتبشر
وصف ثورا يحفر كناسا تحت أرطى .
والأصل الثالث كشط اللحم عن العظم . قال الخليل : العراق : العظم الذي قد أخذ عنه اللحم . قال :
فألق لكلبك منه عراقا
[ ص: 287 ] فإذا كان العظم بلحمه فهو عرق . ويقال : العراق جمع عرق ، كما يقال ظئر وظؤار . ويقال في المثل : " هو ألأم من كلب على عرق " . قال : جمع عرق عراق . وأنشد : ابن الأعرابي
يبيت ضيفي في عراق ملس وفي شمول عرضت للنحس
ملس ، يعني الودك والشحم . والنحس : الريح . يقال : عرقت العظم وأنا أعرقه ، واعترقته وتعرقته ، إذا أكلت ما عليه [ من ] اللحم . ويقال : أعطني عرقا أتعرقه ، أي عظما عليه اللحم . وفلان معترق ، أي مهزول ، كأن لحمه قد اعترق . قال :
غول تصدى لسبنتى معترق
وقال :
قد أشهد الغارة الشعواء تحملني جرداء معروقة اللحيين سرحوب
يصف الفرس بقلة اللحم على وجهه ، وذلك أكرم له . قال : فم معرق : قليل الريق . ووجه معروق : قليل اللحم . الكسائي
والأصل الرابع : الامتداد والتتابع في أشياء يتبع بعضها بعضا . من ذلك [ ص: 288 ] العرقة ، والجمع عرقات ، وذلك كل شيء مضفور أو مصطف . وإذا اصطفت الطير في الهواء فهي عرقة ، وكذلك الخيل . قال طفيل :
كأنه بعد ما صدرن من عرق سيد تمطر جنح الليل مبلول
والعرقة : السفيفة المنسوجة من الخوص قبل أن يجعل منها زبيل . وسمي الزبيل عرقا لذلك . ويقال عرقة أيضا . قال أبو كبير :
نغدو فنترك في المزاحف من ثوى ونمر في العرقات من لم يقتل
يعني نأسرهم فنشدهم في العرقات ، وهي النسوع .
ويقال لآثار الخيل المصطفة عرقة . والعرقة : طرة تنسج ثم تخاط على شقة ، الشقة التي للبيت . وقال : العرقة : جماعة من الخيل والإبل القائمة على سطر . فأما عراق المزادة والراوية فهو الخرز الذي في أسفلها ، والجمع عرق . وذلك عندنا مما ذكرناه من الامتداد والتتابع . قال ابن الأعرابي : ابن أحمر
من ذي عراق نيط في جوزها فهو لطيف طيه مضطمر
وقال آخر :
تضحك عن مثل عراق الشنه
ومن هذا الباب : العراق ، وهو عند الخليل شاطئ البحر . وسميت العراق [ ص: 289 ] عراقا لأنه على شاطئ دجلة والفرات عداء حتى يتصل بالبحر . والعراق في كلام العرب : شاطئ البحر على طوله .
ومن هذا الباب : العراق ، وهو ما أحاط بالظفر من اللحم . قال الدريدي : " سميت العراق لأنها استكفت أرض العرب " ، أي صارت كالكفاف لها . وذكر عن أن أبي عمرو بن العلاء العراق مأخوذ من عروق الشجر ، وهي منابت الشجر . والعراقان : الكوفة والبصرة . وقال : الأصمعي العراق كل موضع ريف . قال جرير :
نهوى ثرى العرق إذ لم نلق بعدكم كالعرق عرقا ولا السلان سلانا
ويقال : أعرق الرجل وأشأم ، أي أتى العراق والشام . قال الممزق :
فإن تنجدوا أتهم خلافا عليكم وإن تعمنوا مستحقبي الشر أعرق
وأما عرقوة الدلو فالخشبة المعروضة عليها .