الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن الوفاء أن لا يتغير حاله في التواضع مع أخيه وإن ارتفع شأنه واتسعت ولايته وعظم جاهه فالترفع على الإخوان بما يتجدد من الأحوال لؤم .

قال الشاعر .

: إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن وأوصى بعض السلف ابنه ، فقال : يا بني لا تصحب من الناس إلا من إذا افتقرت إليه قرب منك وإن استغنيت عنه لم يطمع فيك وإن علت مرتبته لم يرتفع عليك .

وقال بعض الحكماء : إذا ولي أخوك ولاية فثبت على نصف مودته لك فهو كثير .

وحكى الربيع أن الشافعي رحمه الله آخى رجلا ببغداد ثم إن أخاه ولي السيبين فتغير له عما كان عليه فكتب إليه الشافعي بهذه الأبيات .


اذهب فودك من فؤادي طالق أبدا وليس طلاق ذات البين     فإن ارعويت فإنها تطليقة
ويدوم ودك لي على ثنتين     وإن امتنعت شفعتها بمثالها
فتكون تطليقين في حيضين     وإذا الثلاث أتتك مني بتة
لم تغن عنك ولاية السيبين

.

التالي السابق


(ومن الوفاء ألا يتغير حاله في التواضع) وفي نسخة: التواصل (مع أخيه وإن ارتفع شأنه واتسعت ولايته وعظم جاهه) وكبرت منزلته (فالترفع عن الإخوان بما يتجدد من الأحوال) وما يتقلب فيها (لؤم) وهو مهزوم (قيل فيه: إن الكرام إذا ما أيسروا) أي: ساروا ذوي يسار؛ أي: غنى، وفي نسخة: أسيادا (ذكروا من كان يألفهم) أي: يصحبهم ويأنس بهم (في المنزل الخشن) كناية عن قلة ذات اليد والضيق وخشونة العيش (وأوصى بعض السلف ابنه، فقال: يا بني لا تصحب من الناس إلا إذا من افتقرت إليه قرب منك وإن استغنيت عنه لم يطمع فيك وإن علت منزلته لم يرتفع عليك) ولفظ القوت: من افتقرت قرب منك وإن استغنيت عنه لم يطمع فيك، وإن علت منزلته لم يرتفع عليك، وإن ابتذلت له صانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن اجتمعت معه زانك، فإن لم تجد ذلك لا تصحبن أحدا .

(وقال بعض الحكماء:) ولفظ القوت: بعض السلف (إذا ولي أخوك ولاية) عمل من الأعمال (فثبت على نصف مودته لك فهو كثير) أي: لأن شغله يحمل أعباء ما ولي يمنعه عن تأدية حقوق مودتك، فإن وجدت فيه الثبات على نصف ما كان عليه فلا تعاتبه (وحكى الربيع) بن سليمان ابن عبد الجبار المرادي أبو محمد المصري المؤذن، ثقة مات سنة سبعين ومائتين عن ست وتسعين سنة، روى له الأربعة. ولفظ القوت: حدثنا محمد بن القاسم عن الربيع بن سليمان (أن الشافعي) -رضي الله عنه- (آخى رجلا ببغداد ثم إن أخاه هذا ولي السيبين) بكسر السين المهملة وسكون التحتية وفتح الموحدة مثنى السيب، وهما الأعلى والأسفل كورة بالعراق (فتغير) للشافعي (عما كان عليه) مما كان يعهده منه (فكتب إليه الشافعي) -رحمه الله تعالى- (هذه الأبيات) وهي من نظمه :


(اذهب فودك من ودادي طالق مني وليس طلاق ذات البين فإن ارعويت فإنها تطليقة
ويدوم ودك لي على ثنتين وإن امتنعت شفعتها بمثالها
فتكون تطليقين في حيضين فإذا الثلاث أتتك مني بتة
لم تغن عنك ولاية السيبين)



هكذا أورده صاحب القوت وزاد بعدها فذكر هذا الكلام لبعض الفقهاء فاستحسنه، وقال: هذا طلاق فقهي إلا أنه طلق قبل النكاح. اهـ .

قلت: وهذا الاستدراك ليس بشيء؛ وذلك لأن الاجتماع بعد عقد المودة من الجانبين نزل منزلة الدخول بجامع الحقوق بينهما على التشبيه، وهذه القصة أخرجها ابن عساكر من وجه آخر تاريخه من طريق البيهقي عن الحاكم، قال: أخبرني أبو الفضل بن أبي نصر، حدثنا علي بن الحسن بن حبيب الدمشقي، سمعت الفاقوسي وكان من أهل القرآن والعلم، قال: سمعت محمد بن عبد الله [ ص: 238 ] ابن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعي يقول: لي صديق يقال له: حصين، وكان يبرني ويصلني؛ فولاه أمير المؤمنين السيبين؛ فكتب إليه:


خذها إليك فإن ودك طالق مني وليس طلاق ذات البين



ثم ساق بقية الأبيات إلا أنه قال: "فإن التويت" بدل "ارعويت" و"طائعا" بدل "بتة" وزاد في آخرها البيت الخامس:


لم أرض أن أهجر حصينا وحده حتى أسود وجه كل حصين






الخدمات العلمية