الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإن قيل فينبغي أن يحل له الأخذ وينتقل الحق إلى ذمته ، فأي حاجة إلى الإخراج أولا ، ثم التصرف في الباقي قلنا : قال قائلون : يحل له أن يأخذ ما دام يبقى قدر الحرام ولا يجوز أن يأخذ الكل ، ولو أخذ لم يجز له ذلك وقال آخرون ليس له أن يأخذ ما لم يخرج قدر الحرام بالتوبة وقصد الإبدال وقال آخرون يجوز للآخذ في التصرف أن يأخذ منه ، وأما هو فلا يعطي ، فإن أعطى عصى هو دون الآخذ منه وما جوز أحد أخذ الكل ، وذلك لأن المالك لو ظهر فله أن يأخذ حقه من هذه الجملة إذ يقول : لعل المصروف إلي يقع عين حقي وبالتعيين وإخراج حق الغير وتمييزه يندفع هذا الاحتمال ، فهذا المال يترجح بهذا الاحتمال على غيره ، وما هو أقرب إلى الحق مقدم كما يقدم المثل على القيمة والعين على المثل فكذلك ما يحتمل فيه رجوع المثل مقدم على ما يحتمل فيه رجوع القيمة ، وما يحتمل فيه رجوع العين يقدم على ما يحتمل فيه رجوع المثل ، ولو جاز لهذا أن يقول ذلك لجاز لصاحب الدرهم الآخر أن يأخذ الدرهمين ويتصرف فيهما ويقول على : قضاء حقك من موضع آخر ، إذ الاختلاط من الجانبين وليس ملك أحدهما بأن يقدر فائتا بأولى من الآخر إلا أن ينظر إلى الأقل فيقدر أنه فائت فيه أو ينظر إلى الذي خلط فيجعل بفعله متلفا لحق غيره ، وكلاهما بعيدان جدا وهذا واضح في ذوات الأمثال فإنها تقع عوضا في الإتلافات من غير عقد فأما إذا اشتبه دار بدور أو عبد بعبيد فلا سبيل إلى المصالحة والتراضي فإن أبى أن يأخذ إلا عين حقه ولم يقدر عليه ، وأراد الآخر أن يعوق عليه جميع ملكه فإن كانت متماثلة القيم فالطريق أن يبيع القاضي جميع الدور ويوزع عليهم الثمن بقدر النسبة ، وإن كانت متفاوتة أخذ من طالب البيع قيمة أنفس الدور وصرف إلى الممتنع منه مقدار قيمة الأقل ويوقف قدر التفاوت إلى البيان ، أو الإصلاح لأنه مشكل وإن لم يوجد القاضي فللذي يريد الخلاص وفي يده الكل أن يتولى ذلك بنفسه هذه هي المصلحة وما عداها من الاحتمالات ضعيفة لا نختارها وفيما سبق تنبيه على العلة وهذا في الحنطة ظاهر وفي النقود دونه وفي العروض أغمض إذ لا يقع البعض بدلا عن البعض فذلك ، احتيج إلى البيع .

التالي السابق


(فإن قيل فينبغي أن يحل له الأخذ وينتقل الحق إلى ذمته، فأي حاجة إلى الإخراج أولا، ثم التصرف في الباقي) ، هل لذلك من وجه، (قلنا: قال قائلون:) من العلماء (يحل له أن يأخذ ما دام يبقي قدر الحرام) أي: ما دام قدر الحرام باقيا، فيبقى مضارع معلوم من الثلاثي، ويجوز أن يكون مضارعا مجهولا من الرباعي المجرد، والمعنى صحيح، (ولا يجوز أن يأخذ الكل، ولو أخذ لم يجز ذلك وقال آخرون) منهم: (ليس له أن يأخذ) منه (ما لم يخرج قدر الحرام بالتوبة) الصحيحة، (وقصد الأبدال وقال آخرون) منهم: (يجوز للآخذ في التصرف أن يأخذ منه، وأما هو فلا يعطي، فإن أعطى عصى هو دون الآخذ) ، وإنما يعصي الآخذ بأخذه لكونه لا يحل له ذلك (واحد ما جوز أخذ الكل، وذلك لأن المالك لو ظهر فله أن يطالب حقه من هذه الجملة إذ يقول: لعل المصروف إلي) هو الذي (يقع عين حقي وبالتعيين وإخراج حق الغير بتمييزه) ، وإفرازه (يندفع هذا الاحتمال، فهذا المال يترجح بهذا الاحتمال على غيره، وما هو أقرب إلى الحق مقدم كما يقدم المثل على القيمة) ، فإن المثل أقرب إلى العين، (وكما) يقدم [ ص: 98 ] (العين على المثل) ، فإن مع وجود العين لا ذكر للمثل، (فكذلك ما يحتمل فيه رجوع المثل مقدم على ما يحتمل فيه رجوع القيمة ، وما يحتمل فيه رجوع العين مقدم على ما يحتمل فيه رجوع المثل ، ولو جاز لهذا أن يقول ذلك) وهو قوله المقدم (لجاز لصاحب الدرهم الآخر أن يأخذ الدرهمين ويتصرف فيهما ويقول: علي قضاء حقك من موضع آخر، إذ الاختلاط من الجانبين وليس ملك أحدهما بأن يقدر فائتا أولى من الآخر إلا أن ينظر إلى الأقل فيقدر أنه فائت أو ينظر إلى الذي خلط فيجعل بفعله متلفا لحق غيره، وكلاهما بعيدان جدا) عند التأمل فيه، (وهذا واضح في ذوات الأمثال) أي: في المثليات، (فإنها تقع عوضا في الإتلافات من غير عقد مؤتنف) أي: جديد، (أما إذا اختلطت دار بدور أو عبد بعبيد فلا سبيل) فيه (إلى المصالحة والتراضي) من الجانبين، (فإن أبى أن يأخذ إلا عين حقه ولم يقدر عليه، وأراد الآخر أن يرد عليه عين ملكه) ، وفي نسخة أن يعوق عليه جميع ملكه، (فإن كانت متماثلة القيم فالطريق) المخلص (أن يبيع القاضي) أو من في معناه (جميع الدور) ، أو العبيد، (ويوزع) أي: يفرق (الثمن عليهم بقدر النسبة، وإن كانت متفاوتة) القيم (أخذ من طالب البيع قيمة أنفس الدور) ، أو العبيد أي: أعجبها وأحسنها، (وصرف إلى الممتنع منه) أي: من البيع، (مقدار قيمة الأقل ويوقف قدر التفاوت إلى البيان، أو) إلى (الإصلاح) العرفي بينهم; (لأنه مشكل وإن لم يوجد القاضي) الذي يتولى ذلك، (فللذي يريد الخلاص وفي يده الكل أن يتولى ذلك بنفسه) بما تقدم، (هذا هو المصلحة) الشرعية، (وما عداها من الاحتمالات ضعيف لا نختاره) ، ولا نفتي به، (وفيما سبق) من التقرير، (تنبيه على العلة) المقتضية لترجيح الاحتمال المذكور عن غيره، (وهذا في الخلط ظاهر وفي النقود دونه) في الظهور، (وفي العرض) محركة (أغمض) أي: أدق، (إذ لا يقع البعض بدلا عن البعض، فلذلك احتيج إلى البيع) .




الخدمات العلمية