الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثانية : أنها في حق قريب العهد بشرب الخمر تذكر مجالس الأنس بالشرب فهي سبب الذكر ، والذكر سبب انبعاث الشوق ، وانبعاث الشوق إذا قوي فهو سبب الإقدام .

ولهذه العلة نهى عن الانتباذ في المزفت والحنتم والنقير .

وهي الأواني التي كانت مخصوصة بها .

فمعنى هذا أن مشاهدة صورتها تذكرها ، وهذه العلة تفارق الأولى إذ ليس فيها اعتبار لذة في الذكر إذ لا لذة في رؤية القنينة وأواني الشرب لكن من حيث التذكر بها ، فإن كان السماع يذكر الشرب تذكيرا يشوق إلى الخمر عند من ألف ذلك مع الشرب فهو منهي عن السماع لخصوص هذه العلة فيه .

الثالثة : الاجتماع عليها لما أن صار من عادة أهل الفسق فيمنع من التشبه بهم ; لأن من تشبه بقوم فهو منهم .

وبهذه العلة نقول بترك السنة مهما صارت شعارا لأهل البدعة خوفا من التشبه بهم .

وبهذه العلة يحرم ضرب الكوبة وهو طبل مستطيل دقيق الوسط واسع الطرفين وضربها عادة المخنثين ولولا ما فيه من التشبه لكان مثل طبل الحجيج والغزو وبهذه العلة نقول لو اجتمع جماعة وزينوا مجلسا وأحضروا آلات الشرب وأقداحه وصبوا فيها السكنجبين ونصبوا ساقيا يدور عليهم ويسقيهم فيأخذون من الساقي ويشربون ويحيي بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم حرم ذلك عليهم ، وإن كان المشروب مباحا في نفسه لأن في هذا تشبها بأهل الفساد بل لهذا ينهى عن لبس القباء وعن ترك الشعر على الرأس قزعا في بلاد صار القباء فيها من لباس أهل الفساد ولا ينهى عن ذلك فيما وراء النهر لاعتياد أهل الصلاح ذلك فيهم .

فبهذه المعاني حرم المزمار العراقي والأوتار كلها كالعود والصنج والرباب والبربط وغيرها .

وما عدا ذلك فليس في معناها كشاهين الرعاة والحجيج وشاهين الطبالين وكالطبل والقضيب وكل آلة يستخرج منها صوت مستطاب موزون سوى ما يعتاده أهل الشرب ; لأن كل ذلك لا يتعلق بالخمر ولا يذكر بها ولا يشوق إليها ولا يوجب التشبه بأربابها .

فلم يكن في معناها فبقي على أصل الإباحة قياسا على أصوات الطيور وغيرها بل أقول سماع الأوتار ممن يضربها على غير وزن متناسب مستلذ حرام أيضا .

وبهذا يتبين أنه ليست العلة في تحريمها مجرد اللذة الطيبة بل القياس تحليل الطيبات كلها إلا ما في تحليله فساد .

قال الله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق فهذه الأصوات لا تحرم من حيث إنها أصوات موزونة وإنما تحرم بعارض آخر .

كما سيأتي في العوارض المحرمة .

التالي السابق


العلة (الثانية: أنها في قريب عهد بشرب الخمر تذكر مجالس الأنس بالشرب فهي سبب الذكر، والذكر يسبب انبعاث الشوق، وانبعاث الشوق إذا قوي فهو سبب الإقدام) على الشرب، وأجاب المجيبون بأن قولكم إنها في قريب العهد تذكر مجالس الشرب فذلك إنما يقتضي المنع في حق من هذا حاله، فأما من ليس كذلك أو كانت قد مضت مدة وحسنت توبته واستمر على الخير لم تشمله العلة المذكورة، (ولهذه العلة نهى عن الانتباذ في المزفت) هو الإناء المطلي بالزفت، (والحنتم) والنقير (وهي الأواني التي كانت مخصوصة بها بهيئاتها) أخرج البخاري من حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس وفيه: فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع؛ الحنتم والدباء والمزفت والنقير، وربما قال: المقير.

قال أبو هريرة: الحنتم هي الجرار الخضر، وقال ابن عمر: هي الجرار كلها، وقال أنس: جرار يؤتى بها من مصر مقيرات الأجواف، وقالت عائشة: جرار حمر أعناقها في جنوبها يجلب فها الخمر من مصر، وقال ابن أبي ليلى: أفواهها في جنوبها يجاب فيها الخمر من الطائف، وكان ناس ينتبذون فيها، وقال عطاء: جرار يعمل من طين ودم وشعر، وفي المحكم: جرار خضر تضرب إلى المحمرة، وفي مجمع الغرائب: حمر، وقال الطبرزدي: قال بعض أهل العلم: إنما الحنتم ما طلي من الفخار بالحنتم المعمول بالزجاج وغيره [ ص: 473 ] وفيه النهي عن الانتباذ في هذه الأواني، وهي أن تجعل في الماء شيئا من تمر أو زبيب ليحلو ويشرب; لأنه يسرع فيه الإسكار فيصير حراما، ثم إن هذا النهي كان في أول الإسلام ثم نسخ، ففي صحيح مسلم من حديث بريدة: كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي والجمهور، وذهب طائفة إلى أن النهي باق منهم: مالك وأحمد وإسحاق حكاه الخطابي عنهم .

(فمعنى هذا أن مشاهدة صورتها تذكرها، وهذه العلة تفارق الأولى إذ ليس فيها اعتبار لذة في الذكر إذ لا لذة في رؤية القنينة) وهي الزجاجة التي يشرب فيها المسكر (و) سائر (أواني الشرب لكن من حيث التذكير بها، فإن كان السماع يذكر الشرب تذكيرا يشوق إلى الخمر عند من ألف ذلك مع الشرب فهو منهي عن السماع بخصوص هذه العلة فيه) .

العلة (الثالثة: الاجتماع عليها لما أن صار من عادة أهل الفسق) والفجور، (فيمنع التشبه بهم; لأن من تشبه بقوم فهو منهم) ، رواه أحمد وأبو داود والطبراني في الكبير من حديث أبي منيب الجرشي عن ابن عمر به مرفوعا بسند فيه ضعف، ويروى عن الحسن قال: قلما تشبه رجل بقوم إلا كان منهم (وبهذه العلة نقول بترك السنة مهما صارت شعارا لأهل البدعة خوفا من التشبه بهم) .

وقد نقل الرافعي عن بعض أئمة الشافعية أنه كان يقول: الأولى ترك رفع اليدين في الصلاة في ديارنا يعني ديار العجم قال: لأنه صار شعارا للرافضة، وله أمثلة كثيرة لكن قد يقال: ليس كل شيء يفعله الفساق يحرم فعله على غيرهم، ولو كان معتبرا لكان الضرب بالدفوف والشبابة حراما، ولكان يحرم اتخاذ الظروف المستعملة غالبا في الخمر كالقناني والأقداح المزورقة فإنها الآن كذلك حتى لو امتنع أو عدم الخمر لنقص ثمنها، ولكان أيضا يحرم بقاء شجر العنب فإنه أصل لذلك، وكذلك الرياحين فإن استعمالها للشراب، ولا تكاد تفارق الفاكهة مجلس الشرب خصوصا الورد، فإن الشراب ينتظرون وروده ويتألمون إذا جاء في شهر الصوم كما قال بعضهم متألما من ذلك:


وما عذب الله العصاة بمثل ما أدابل ورد في أواخر شعبان



فلما لم يحرم شيء من ذلك علمنا أن هذه العلة غير معتبرة فتأمل .

(وبهذه العلة يحرم ضرب الكوبة) بالضم (وهو طبل مستطيل رقيق الوسط واسع الطرفين) معرب (وضربها عادة المخنثين) في ذلك الوقت (ولولا ما فيه من التشبه لكان مثل طبل الحجيج والغزو) ، اعلم أن الكوبة هي طبل مخصر مغلوف الطرفين بجلد، فالذي صرح به الشافعية أن الضرب به حرام، وتوقف إمام الحرمين فيه فقال: إن صح حديث عملنا به. قال: والقاضي لم يتعرض لها ولو رددناه إلى المعنى، فهو في معنى الدف ولست أرى فيها ما يقتضي التحريم إلا أن المخنثين يعتادون الضرب بها ويتولعون بها. قال: والذي يقتضيه الرأي أن ما يصار منه ألحان مستلذة يهيج الإنسان ويستحثه على الشرب ومجالسة أهله فهو المحرم، وما ليس كذلك وإنما ينتحى لإيقاعات قد تطرب وإن كانت لا تلذ فجميعها في معنى الدف، والكوبة في هذا المعنى كالدف، فإن صح فيها تحريم حرمنا وإلا توقفنا .

وقال شارح المقنع من الحنابلة: إن أحمد قال: أكره الطبل وهو الكوبة، وقد أخرج أبو داود من حديث ابن عمر مرفوعا: نهى عن الخمر والميسر والكوبة والغبيراء، ومن حديث ابن عباس: إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة، وقال: كل مسكر حرام. وقد أجاب المبيحون عن هذه العلة المذكورة بأنا لا نسلم أنها شعار المخنثين، فإن يكن في بعض الأقاليم فيختص به ولا نسلم أن كل شيء يفعله المخنثون يكون حراما، ولو كان ذلك كذلك لحرم على الرجال غسل الثياب حرفة، فإن المخنثين اعتادوا وأكثرهم غسالون، وإنما يمنع التشبه بهم في الأفعال المخصوصة لهم إن سلم أيضا، وإلا فلا، ويقولون أيضا: إن الكوبة لم يتحقق موضوعها في اللغة، ففي الفائق للزمخشري: الكوبة النرد، وقيل: الطبل، وفي المجمل لابن فارس: الكوبة الطبل على ما قيل، ويقال: النرد وفي المصباح: الكوبة النرد بلغة أهل اليمن عن أبي عبيدة وحكاه البيهقي عنه أيضا، وقال ابن الأعرابي: الكوبة النرد، ويقال: الطبل، ويقال: البربط، وهذا أظهر، وقال الخطابي: غلط من قال: الكوبة الطبل بل هي النرد [ ص: 474 ] فلما اختلف أهل اللغة فيها سقط الاحتجاج بتلك الأحاديث التي فيها ذكر الكوبة بالمعنى الذي ذكروه، (ولهذه العلة تقول لو اجتمع جماعة) في موضوع (وزينوا مجلسا) بالفرش الفاخرة والتعليقات المثمنة من الثياب وغيرها (وأحضروا) ما بينهم (آلات الشرب وأقداحه وصبوا فيها السكنجبين) المعمول بالخل والعسل أو صبوا فيها اللبن الممزوج بالسكر، (ونصبوا ساقيا يدور عليهم) بتلك الأقداح (ويسقيهم فيأخذون من الساقي ويشربون ويحيي بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم حرم ذلك عليهم، وإن كان المشروب مباحا) في ذاته طيبا صرح به فقهاء المذاهب الأربعة .

وقالوا: (لأن في هذا تشبها بأهل الفساد) ومن تشبه بقوم فهو منهم (بل لهذا ينهى عن لبس القباء) وهي الفرجية المشقوقة من قدام (و) عن (ترك الشعر على الرأس قزعا) وهو حلق بعض الرأس دون بعض، وفي الخبر: نهى عن القزع، ومعناه ما ذكر (في بلاد صار القباء من لباس أهل الفساد فيها) وترك شعر الرأس من شعار الزنادقة، (ولا ينهى عن ذلك في) بلاد (ما وراء النهر) المراد به: ما وراء نهر جيحون وهي بلاد الأزبك (لاعتياد أهل الصلاح ذلك فيهم) فلا ينكر ذلك عندهم أي: ليس بذلك (فبهذه المعاني يحرم المزمار العراقي والأوتار كلها كالعود والصنج والرباب والبربط) وفي سياق المصنف دلالة على أن البرابط غير العود والمشهور بين أهل الضرب خلافه، فقد ذكروا أن من أسماء العود البربط والمزهر والكراز والموتر والعرطبة والكبارة والقنين قيل والطنبور أيضا، والصحيح أنه غير العود (وغيرها) كالسنطير والقانون والكمنجة (وما عدا ذلك فليس في معناها كشاهين الرعاة والحجيج وشاهين الطبالين وكالطبل والقضيب وكل آلة يستخرج منها صوت مستطاب موزون سوى ما يعتاده أهل الشرب; لأن كل ذلك لا يتعلق بالخمر ولا يذكر بها ولا يشوق إليها ولا يوجد التشبه بأربابها فلم يكن في معناها فبقي على أصل الإباحة قياسا على أصوات الطيور وغيرها) .

وقد نقضه أبو العباس القرطبي في كشف القناع فقال: الجواب عن هذا منع الحكم في الأصل وبيانه أنا لا نسلم الإجماع على إباحة سماع الطيور المطربة والمدعي مدفوع إلى إثبات نقله، ولئن سلمناه لكن لا نسلم مساواة الفرع للأصل في الجامع، وبيانه أن أصوات الغناء المطربة تنشأ عن تلك المفاسد التي ذكرت، وليس شيء من تلك المفاسد التي ذكرت في أصوات الطيور فإنا لا نعلل تحريم الغناء بمجرد الاستطابة بل بالتطريب الذي تنشأ عنه تلك المفاسد سلمناه لكن ينتقض بأصوات المزامير والأوتار، فإنها مطربة وقد حكي إجماع أهل العصر المتقدم على تحريمها لا يقال: هذا لا يرد، فإنا قد تحررنا عنه بقولنا خارجة باختيار، لأنا نقول هو وارد لأنا نقول بموجبه في المزامير والأوتار، فإنها خارجة من الآلة باختيار النافخ والضارب، سلمناه لكنه تحرز بوصف طردي لا مناسبة فيه، وذلك أنه إذا حصل الإطراب المفضي إلى تلك المفاسد حكم بالتحريم مطلقا لوجود المقتضي للتحريم، ولا فرق بين أن يخرج من جماد أو حيوان، فقد صح بطلان القياس، والله الموفق. اهـ .

قلت: وأصل هذا الكلام في النقض على المصنف من ابن الجوزي، وقد تبعه القرطبي على بعض كلامه بما ملخصه أن المفردات قد تباح ولا تباح المركبات، قال ابن الجوزي: قد نزل الغزالي عن مرتبته في الفهم إلى أن قضى لإباحة المركبات لإباحة المفردات ورد عليه بأن الهيئة الاجتماعية لها زيادة تأثير. هذا معنى ما قاله، قال: فإن العود بمفرده لو ضرب به بغير وتر لم يحرم والوتر لو ضرب به بمفرده لم يحرم، وعند اجتماعهما يحرم الضرب بهما، وكذلك ماء العنب لم يحرم شربه، فإذا حدثت فيه شدة مطربة حرم فكذلك ههنا، فإن المجموع يحدث طربا يخرج عن الاعتدال .

قال القرطبي: وما ذكره الغزالي منتقض بالعود، فإن ما ذكره موجود فيه والضرب به حرام قال صاحب الإمتاع: وليس العجب إلا منهما فإن الغزالي لم يقل: إن كل شيء يجوز منفردا يجوز مع الاجتماع، وإنما قال هذا في المقام الخاص لما ذكره من الأدلة على جواز كل فرد، والهيئة الاجتماعية لم يحصل منها ما يقتضي الدليل على تحريمه فإنه إنما يحدث فيه زيادة إطراب [ ص: 475 ] وزيادة الإطراب لم يدل الدليل على تحريمها بل فيه ما يدل على الجواز، وقد قال معاوية بحضرة عبد الله بن جعفر وعمرو بن العاص: الكريم طروب. فأتي بصيغة مبالغة وبعد أن ورد الشرع ولم يحرم شيئا فالأصل فيه الإباحة فيبقى على الأصل إلا بدليل، وقد قال تعالى: وقد فصل لكم ما حرم عليكم وقال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش الآية، وقال -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده ما تركت عملا يقربكم من الجنة ويبعدكم من النار إلا ذكرته لكم. الحديث، فقد دلت الأدلة على أن المحرم بين وفصل، فحيث لم نجد دليلا على شيء قلنا إنه ليس بحرام .

والغناء كان موجودا قديما فلو حرم لبين وفصل كما بين الشارع تحريم غيره، وهذه طريقة ذكرها جماعة من العلماء، أما القياس فشرطه مساواة الفرع الأصل أو الزيادة وما ذكروه ليس بمساو، أما العنب فليس فيه عند الانفراد إسكار البتة، وعند حدوث الشدة فيه يحدث السكر بخلاف الغناء، فإن في المفردات طربا، وعند الاجتماع زيادة طرب، وكذلك العود بمفرده والوتر بمفرده فلا يصح القياس، ثم إنا نقول: لولا النص على التحريم عند الهيئة الاجتماعية لم يقل بالتحريم بمجرد مناسبة وليس ثم دليل على تحريم مجموع مفردات الغناء والقياس إباحة المركب مما كانت مفرداته مباحة ما لم يدل دليل ، ونحن نطالب بالدليل، وأما ما قاله القرطبي أنه ينتقض فعجب منه كيف ينتقض؟ والغزالي يقول: والقياس تحليل العود وسائر الملاهي، ولكن ورد ما يقتضي التحريم فورد في الكوبة ونحوها أخبار أو وردت في المعتمد في التحريم، وفي الأوتار والمزمار جعل العلة كونها شعارا للشاربين، فالعلة وإن وجدت لكنها تختلف لمعان، والصحيح أن ذلك لا يقدح به .

وقد قال إمام الحرمين: في بعض الآلات القياس إباحتها قال: فإن صح الخبر قلنا به وإلا توقفنا، وما قاله القرطبي أو الغزالي يحتاج إلى إثبات أن سماع الطيور المطربة جائز، قال: ولا نسلم الإجماع عليه، فالموجود في كتب كثير من أصحاب المذاهب ما هو صريح في الجواز ما يدل عليه، وقد جوز الشافعية والحنابلة الاستئجار للاستئناس بأصوات الطيور المسموعة، فإن نازع أحد في جواز سماعها فهو سفسطة لا يقوم عليها دليل بل هو بعيد عن القواعد وما كل قول يعتد به، ولا كل رأي يعتمد عليه، والوقوف مع من لم تثبت عصمته في جميع ما قاله يفضي إلى الوقوع في المهالك، وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، قاله الإمام مالك، والله أعلم .

(بل أقول سماع الأوتار ممن يضربها على غير موزون متناسب مستلذ حرام أيضا، وبهذا يتبين أنه ليس العلة في تحريمها بمجرد اللذة الطيبة بل القياس تحليل الطيبات كلها إلا ما في تحليله فساد) يعرض (قال الله تعالى) في كتابه العزيز: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) والطيبات جمع محلى بالألف واللام فيشمل كل طيب، والطيب يطلق بإزاء معان ثلاث: المستلذ وهو الأكثر وبإزاء الطاهر الحلال، وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العموم ويتعلق الحكم بهن، (فهذه الأصوات لا تحرم من حيث إنها أصوات موزونة إنما تحرم بعارض آخر كما سيأتي بيان العوارض المحرمة) قريبا .




الخدمات العلمية