الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
العاشر ينبغي أن يستصحب ستة أشياء .

قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر حمل معه خمسة أشياء :

المرآة والمكحلة والمقراض والسواك والمشط
.

وفي رواية أخرى عنها ستة أشياء المرآة والقارورة والمقراض والسواك والمكحلة والمشط .

وقالت أم سعد الأنصارية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفارقه في السفر المرآة والمكحلة .

وقال صهيب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالإثمد عند مضجعكم فإنه مما يزيد في البصر وينبت الشعر .

وروي أنه كان يكتحل ثلاثا ثلاثا وفي رواية : أنه اكتحل لليمنى ثلاثا ولليسرى ثنتين .

وقد زاد الصوفية الركوة والحبل .

، وقال بعض الصوفية : إذا لم يكن مع الفقير ركوة وحبل دل على نقصان دينه .

وإنما زادوا هذا لما رأوه من الاحتياط في طهارة الماء وغسل الثياب ، فالركوة لحفظ الماء الطاهر ، والحبل لتجفيف الثوب المغسول ولنزع الماء من الآبار .

وكان الأولون يكتفون بالتيمم ويغنون أنفسهم عن نقل الماء .

ولا يبالون بالوضوء من الغدران ومن المياه كلها ما لم يتيقنوا نجاستها حتى توضأ عمر رضي الله عنه من ماء في جرة نصرانية .

وكانوا يكتفون بالأرض والجبال عن الحبل فيفرشون الثياب المغسولة عليها .

فهذه بدعة إلا أنها بدعة حسنة ، وإنما البدعة المذمومة ما تضاد السنن الثابتة وأما ما يعين على الاحتياط في الدين فمستحسن .

وقد ذكرنا أحكام المبالغة في الطهارات في .

كتاب الطهارة وأن المتجرد لأمر الدين لا ينبغي أن يؤثر طريق الرخصة .

بل يحتاط في الطهارة ما لم يمنعه ذلك عن عمل أفضل منه .

وقيل كان الخواص من المتوكلين ، وكان لا يفارقه أربعة أشياء في السفر والحضر : الركوة والحبل والإبرة بخيوطها والمقراض ، وكان يقول هذه : ليست من الدنيا .

التالي السابق


(والعاشر ينبغي له أن يستصحب عدة أشياء) في سفره (قالت عائشة -رضي الله عنها- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سافر حمل معه خمسة أشياء: المرآة والمكحلة والمدرا والسواك والمشط) قيل: وكان مراده حمل المرآة ليرى فيها وجهه، والمكحلة هي قارورة الكحل، والمدرا بالكسر شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر الملبد، وفي ضمنه إشعار بأنه كان يتعهد نفسه بالترجيل وغيره مما ذلك آلة له، وذلك من سننه المؤكدة، والسواك والمشط معروفان .

(في رواية أخرى عنها ستة أشياء المرآة والقارورة) أي: وعاء الطيب (والمقراض) وهو المقص (والسواك والمكحلة والمشط) .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في السنن والخرائطي في مكارم الأخلاق، واللفظ له، وطرقه كلها ضعيفة . اهـ .

قلت: ورواه العقيلي كذلك بلفظ: كان لا يفارقه في الحضر ولا في السفر خمس: المرآة والمكحلة والسواك والمشط والمدرا. في سنده يعقوب بن الوليد الأزدي قال في الميزان كذبه أبو [ ص: 411 ] حاتم ويحيى، وحذف أحمد حديثه وقال: من الكذابين الكبار يضع الحديث، ورواه أيضا ابن طاهر في كتاب صفقة التصوف من حديث أبي سعيد وأعله ابن الجوزي من جميع طرقه .

(وقالت أم سعد الأنصارية) هي كبشة بنت رافع بن عبيد الخدرية أم سعد بن معاذ -رضي الله عنه- (وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يفارقه في السفر المرآة والمكحلة) .

قال العراقي: رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق وإسناده ضعيف. (وقال صهيب) بن سنان أبو يحيى الرومي -رضي الله عنه- أصله من بني النمير قيل اسمه عبد الملك وصهيب لقبه صحابي مشهور، (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليكم بالإثمد) بالكسر هو الكحل الأسود وهو أجود الأكحال وأيسرها وجودا سيما في الحجاز، أي: الزموا الاكتحال به (عند مضجعكم) أي: عند إرادة النوم، (فإنه مما يزيد في البصر) بدفعه المواد المنحدرة من الرأس، (وينبت الشعر) بتحريك العين للازدواج والمراد شعر هدب العين; لأنه يقوي طبقاتها، وقد تعلق بظاهرة قوم فأنكروا على الرجال الاكتحال نهارا، قال ابن جرير: وهو خطأ لأنه إنما نص على النوم; لأن الاكتحال عنده أنفع لا لكراهة استعماله في غيره من أوقات النهار قال: وتخصيص الإثمد فيه إشارة إلى اختصاصه بالأنفعية من بين الأكحال .

قال العراقي: رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف وهو عند الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث ابن عباس وصححه ابن عبد البر وقال الخطابي صحيح الإسناد . اهـ .

قلت: حديث ابن العباس رواه أبو نعيم في الحلية بلفظ: عليكم بالإثمد عند النوم فإنه يجلو البصر وينبت الشعر، ورواه الطيالسي والبيهقي، ولم يقل عند النوم، وفي الباب عن جابر وابن عمر وعلي وعثمان وأبي هريرة، فحديث جابر أخرجه عبد بن حميد وابن ماجه وابن منيع وأبو يعلى والعقيلي والضياء، ولفظه كلفظ ابن عباس في الحلية وحديث ابن عمر، وأخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه وأقره الذهبي ولفظه كلفظ جابر، وحديث علي أخرجه الطبراني وابن السني وأبو نعيم في الحلية والديلمي بلفظ: عليكم بالإثمد فإنه منبت للشعر مذهبة للقذى مصفاة للبصر، وإسناد الطبراني حسن .

وروى الضحاك في كتاب الشمائل له من حديث علي مرفوعا: أمرني جبريل بالكحل وأنبأني أنه فيه عشر خصال: يجلو البصر، ويذهب الهم ... ويبعث ويلمس البلغم ويحسن الوجه ويشد الأضراس، ويذهب النسيان ويذكي الفؤاد، عليكم بالكحل فإنه سنة من سنتي وسنة الأنبياء قبلي. وحديث عثمان رواه البغوي في معجمه بلفظ: عليكم بالكحل فإنه ينبت الشعر ويشد العين، وحديث أبي هريرة وأخرجه ابن النجار في تاريخه بلفظ حديث ابن عباس السابق .

(وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يكتحل ثلاثا ثلاثا) رواه أنس بلفظ: كان يكتحل وترا، ذكره المحب الطبري في الأحكام وأخرج أحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر: كان إذا اكتحل اكتحل وترا، وإذا استجمر استجمر وترا. (وفي رواية: أنه اكتحل لليمنى ثلاثا ولليسرى ثنتين) .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر بسند لين . اهـ .

قال المناوي في شرح الجامع وفي كيفية الإيتار في الاكتحال وجهان: أصحهما في كل عين ثلاثة، لما رواه الترمذي وحسنه: كان له مكحلة يكتحل منها كل عين ثلاثة أطراف، والثاني يكتحل في عين وترا وفي عين شفعا ليكون المجموع وترا، لما في حديث الطبراني عن ابن عمر أنه كان إذا اكتحل جعل في اليمنى ثلاثا، وفي اليسرى ثنتين يجعلهما وترا، وفي إيضاح التنبيه للأصبحي تفسير هذا الوجه قال: يكتحل في اليمنى أربعة أطراف وفي اليسرى ثلاثة .

قال الولي العراقي: وهو تقييد غريب، وقال ابن وضاح في تفسير الإيتار اثنين في كل عين ويقسم بينهما واحدة .

(وقد زاد الصوفية) وقدس الله أسرارهم فيما يستصحبه المسافر (الركوة) بالفتح ولو صغيرة والجمع ركاء مثل كلبة وكلاب، (والجمل، وقال بعض الصوفية: إذا لم يكن مع الفقير ركوة وحبل دل) ذلك (على نقصان دينه) نقله صاحب القوت، (وإنما زادوا هذا لما رأوه من الاحتياط في طهارة الماء وغسل الثياب، فالركوة لحفظ الماء للطهارة، والحبل لتجفيف الثوب المغسول) وفي نسخة: الثياب المغسولة (ولنزع الماء) من الآبار، (وكان الأولون) من السلف (يكتفون بالتيمم من الأرض ويغنون أنفسهم عن نقل الماء) فإذا حان [ ص: 412 ] عليهم وقت الصلاة ولم يجدوا ماء تيمموا، (و) كانوا (لا يبالون بالوضوء من الغدران) وهي الحيضان التي غادرتها السيول وأبقت فيها مياها (ومن المياه كلها ما لم يتيقنوا نجاستها حتى توضأ عمر -رضي الله عنه- من) ماء في (جرة نصرانية) ذكره البخاري في الصحيح وتقدم في كتاب الطهارة .

(وكانوا يكتفون بالجبال والأرض عن الحبل فيفرشون الثياب) المغسولة (عليها فهذه بدعة) أي: أخذ الحبل والركوة (إلا أنها بدعة حسنة، وإنما البدعة المزعومة ما تضاد السنن الثابتة) وتخالفها (أما ما يعين على الاحتياط في الدين فمستحسن) شرعا. (وقد ذكرنا أحكام المبالغة في الطهارة في كتاب) أسرار (الطهارة و) ذكرنا هناك (أن المتجرد للدين لا ينبغي أن يؤثر) أي: يختار (طريق الرخصة بل يحتاط في الطهارة ما لم يمنعه ذلك عن عمل أفضل منه) وإلا جره إلى الوسواس .

(وقيل كان) إبراهيم (الخواص من المتوكلين، وكان لا تفارقه أربعة أشياء في السفر والحضر: الركوة والحبل والإبرة بخيوطها والمقراض، وكان يقول: ليست هذه من الدنيا) بل هي من الأسباب المعينة على الآخرة ولم يقدح ذلك في توكله، ولفظ القوت: ولا ينبغي للمسافر أن يفارقه من الأسباب أربعة؛ الركوة والحبل والإبرة بخيوطها والمقراض، وكان الخواص من المتوكلين ولم تكن هذه الأربعة تفارقه، وكان يقول: ليست من الدنيا. ولفظ القشيري في الرسالة وقيل: كان إبراهيم الخواص لا يحمل شيئا في السفر، وكان لا يفارقه الإبرة والركوة أما الإبرة فلخياطة ثوبه إن تمزق سترة للعورة، وأما الركوة للطهارة، وكان لا يرى ذلك علاقة ولا معلوما. انتهى. قوله علاقة أي: ما يتعلق به القلب من الأغراض الفاسدة والحظوظ النفسية .




الخدمات العلمية