الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال أيضا : ما أحدث عبد أخا في الله إلا أحدث له درجة في الجنة .

وقال صلى الله عليه وسلم المتحابون في الله على عمود من ياقوتة حمراء ، في رأس العمود سبعون ألف غرفة يشرفون على أهل الجنة يضيء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس لأهل الدنيا ، فيقول أهل الجنة : انطلقوا بنا ننظر إلى المتحابين في الله فيضيء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس ، عليهم ثياب سندس خضر مكتوب على جباههم المتحابون في الله .

الآثار : قال علي رضي الله عنه : عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة ألا تسمع إلى قول أهل النار: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما والله لو صمت النهار لا أفطره ، وقمت الليل لا أنامه ، وأنفقت مالي غلقا غلقا في سبيل الله أموت يوم أموت ، وليس في قلبي حب لأهل طاعة الله وبغض لأهل معصية الله ما ، نفعني ذلك شيئا .

وقال ابن السماك عند موته : اللهم إنك تعلم أني إذا كنت أعصيك كنت أحب من يطيعك ، فاجعل ذلك قربة لي إليك .

وقال الحسن على ضده يا ابن آدم لا يغرنك قول من يقول : المرء مع من أحب فإنك لن تلحق الأبرار إلا بأعمالهم فإن اليهود والنصارى يحبون أنبياءهم وليسوا معهم .

وهذه إشارة إلى أن مجرد ذلك من غير موافقة في بعض الأعمال أو كلها لا ينفع وقال الفضيل في بعض كلامه : هاه تريد أن تسكن الفردوس وتجاور الرحمن في داره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بأي عمل عملته بأي شهوة تركتها بأي غيظ كظمته ، بأي رحم قاطع وصلتها ، بأي زلة لأخيك غفرتها بأي قريب باعدته في الله بأي بعيد قاربته في الله .

التالي السابق


(وقال) صلى الله عليه وسلم (أيضا: ما أحدث أحد إخاء) بالمد (في الله) تعالى (إلا أحدث الله له درجة في الجنة) . أي: أعد له منزلة عالية فيها بسبب إحداثه ذلك الإخاء فيه .

قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان من حديث أنس ، وقد تقدم، اهـ .

قلت: ورواه كذلك الديلمي في مسند الفردوس، وإسناده ضعيف، (وقال) صلى الله عليه وسلم: (المتحابون في الله على عمود من ياقوتة حمراء، في رأس العمود سبعون ألف غرفة) ، وهي بالضم العلية جمعه غرف وغرفات، (يشرفون) أي: يطلعون (على أهل الجنة حتى يضيء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، فيقول أهل الجنة: انطلقوا بنا ننظر المتحابين في الله فيضيء حسنهم لأهل الجنة) ، ونص العوارف: فإذا أشرفوا عليهم أضاء حسنهم، (كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، عليهم ثياب سندس خضر مكتوب على جباههم) هؤلاء ( المتحابون في الله تعالى ) . هكذا أورده صاحب القوت والعوارف، قال العراقي : رواه الترمذي الحكيم في النوادر من حديث ابن مسعود بسند ضعيف، اهـ .

قلت: وعند الطبراني في الكبير من حديث أبي أيوب : "المتحابون في الله على كراسي من ياقوت حول العرش ، (الآثار: قال علي رضي الله عنه: عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة ألا تسمع) إلى (قول أهل النار: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ) قال صاحب القوت والعوارف: والأصل في الحميم الهميم أبدلت الهاء حاء لقرب مخرجهما مأخوذ من الاهتمام، أي: يهتم بأمره، فالاهتمام بمهم الصديق حقيقة الصداقة، (وقال عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما: (والله لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت مالي غلقا) أي: حبسا (في سبيل الله) تعالى (أموت حيث أموت، وليس في قلبي حب لأهل طاعة الله، و) لا (بغض لأهل معصيته ما نفعني ذلك شيئا) نقله صاحب القوت فقال: روينا عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالا: لو أن رجلا صام النهار لا يفطر، وقام الليل لم ينم، وجاهد ولم يحب في الله ويبغض في الله ما نفعه ذلك شيئا . (وقال ابن السماك ) ، واعظ بغداد مشهور يكنى أبا العباس، واسمه محمد بن صبيح ، (عند موته: اللهم إنك تعلم أني إذ كنت أعصيك كنت أحب من يطيعك، فاجعل ذلك قربة مني إليك) نقله صاحب القوت، (وقال الحسن) البصري: (على ضده يا ابن آدم لا يغرنك قول من يقول: المرء مع من أحب ) هو حديث مرفوع أخرجه أحمد والشيخان والثلاثة عن أنس ، وأخرجه البيهقي من حديث ابن مسعود ، (فإنك لن تلحق بالأبرار) أي: درجتهم (إلا إذا عملت بأعمالهم) أي: ولو قلت: (فإن اليهود والنصارى [ ص: 179 ] يحبون أنبياءهم وليسوا معهم) ، أخرجه العسكري في الأمثال من طريق داود ابن.. حدثنا الحسن بن واصل قال: قال الحسن : لا تغتر يا ابن آدم بقول من يقول: أنت مع من أحببت ، فإنه من أحب قوما اتبع آثارهم، واعلم أنك لن تلحق بالأخيار حتى تتبع آثارهم، وحتى تأخذ بهديهم وتقتدي بسننهم وتصبح وتمسي على مناهجهم حرصا على أن تكون منهم . اهـ .

(وهذه إشارة إلى أن مجرد ذلك) أي: الحب (من غير موافقة في بعض الأعمال أو كلها لا ينفع) صاحبه، وكأنه يعني أن اللحوق بالأبرار لا يتم إلا بالمحبة الكاملة لا بمطلق المحبة، وعلامة المحبة الكاملة موافقة المحب المحبوب في التخلق بأخلاقه مع الاستطاعة، وإليه أشار القائل:


تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع



(وقال الفضيل) بن عياض رحمه الله تعالى (في بعض كلامه: هاه تريد أن تسكن الفردوس وتجاور الرحمن في جواره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) قلت: هو ملفق من كلامين بإسنادين مختلفين، قال أبو نعيم في الحلية في ترجمته: حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا المفضل بن محمد ، ثنا إسحاق بن إبراهيم قال: قال رجل للفضيل : كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ فقال: في عافية، فقال: كيف حالك؟ فقال: عن أي حال تسأل؟ عن حال الدنيا أو حال الآخرة؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا، فإن الدنيا قد مالت بنا وذهبت بنا كل مذهب، وإن كنت تسأل عن حال الآخرة، فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه وضعف عمله وفني عمره، ولم يتزود لمعاده، ولم يتأهب للموت، ولم يتصنع ولم يتشمر للموت، ولم يتزين للموت، وتزين للدنيا هيه وقعد يحدث يعني نفسه، فاجتمعوا حولك يكتبون عنك بخ، فقد تفرغت للحديث، ثم قال: هاه وتنفس طويلا، ويحك أتحسن أن تحدث أو أنت أهل أن يحمل عنك استح يا أحمق بين الحمقان، لولا قلة حيائك وسفاهة رأيك ما جلست تحدث وأنت أنت، أما تعرف نفسك، أما تذكر ما كنت وكيف كنت، أما لو عرفوك ما جلسوا إليك، ولا كتبوا عنك، ولا سمعوا منك شيئا أبدا...... إلى آخر ما ذكر بطوله .

وقال أيضا: حدثنا أبو محمد بن حيان ، حدثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا الفيض بن إسحاق ، قال: سمعت فضيلا يقول: تريد الجنة مع النبيين والصديقين وتريد أن تقف مع نوح وإبراهيم ومحمد عليهم السلام، (بأي عمل عملته) لله عز وجل، (بأي شهوة تركتها) لله عز وجل، (بأي غيظ كظمته، بأي رحم مقطوعة وصلتها، بأي ذلة) أي: سقطة (لأخيك غفرتها) ، ولفظ الحلية بعد قوله، بأي عمل وأي شهوة تركتها، (بأي قريب باعدته في الله) عز وجل، (بأي بعيد قاربته في الله) ، ولفظ الحلية، وأي عدو قربته في الله .




الخدمات العلمية