الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لما بلغه أن الحسين رضي الله عنه توجه إلى العراق تبعه فلحقه على مسيرة ثلاثة أيام فقال له : أين تريد ? فقال العراق .

فإذا معه طوامير وكتب فقال : هذه كتبهم وبيعتهم ، فقال : لا تنظر إلى كتبهم ولا تأتهم فأبى فقال إني أحدثك حديثا ، جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة على الدنيا وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يليها أحد منكم أبدا وما صرفها عنكم إلا للذي هو خير لكم؛ فأبى أن يرجع فاعتنقه ابن عمر وبكى ، وقال أستودعك : الله من قتيل أو أسير .

وكان في الصحابة عشرة آلاف فما خف أيام الفتنة أكثر من أربعين رجلا .

وجلس طاوس في بيته فقيل له في ذلك فقال : فساد الزمان وحيف الأئمة .

ولما بنى عروة قصره بالعقيق ولزمه قيل له : لزمت القصر وتركت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية والفاحشة في فجاجكم عالية وفيما هناك عما أنتم فيه عافية .

فإذن الحذر من الخصومات ومثارات الفتن إحدى فوائد العزلة .

التالي السابق


(وعن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه لما بلغه أن الحسين) بن علي (-رضي الله عنه- توجه إلى العراق) حين وردت عليه كتب من الكوفة بنصرته والقيام معه وكان قد شاور جملة من الصحابة فما رضوا خروجه من المدينة فأبى فلما خرج بأهله وعياله (اتبعه) ابن عمر (فلحقه على مسيرة ثلاثة أيام) من المدينة بعد خروجه (فقال له: أين تريد؟ فقال) أريد (العراق فإذا معه طوامير وكتب) التي وصلت إليه منهم (فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: لا تنظر إلى كتبهم ولا تأتهم) فإنهم لا وفاء لهم وبالأمس قتلوا أباك فكيف ينصرونك اليوم؟! (فأبى) الحسين -رضي الله عنه- (فقال) ابن عمر (إني محدثك حديثا، إن جبريل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة على الدنيا وإنك بضعة) أي: جزء (من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله لا يليها أحد منكم أبدا) أي: الخلافة (وما صرفها عنكم إلا للذي هو خير لكم؛ فأبى) الحسين (أن يرجع) وكان أمر الله قدرا مقدورا (فاعتنقه ابن عمر وبكى، وقال: أستودعك الله من قتيل أو أسير) .

قال العراقي: رواه الطبراني مقتصرا على المرفوع ورواه في الأوسط بذكر قصة الحسين مختصرة ولم يقل على مسيرة ثلاثة أيام وكذا رواه البزار بنحوه وإسنادهما حسن اهـ .

قلت: والذي [ ص: 356 ] في القوت: ولما ودع ابن عمر الحسين بن علي - رضي الله عنهم- بمكة وقت خروجه إلى الكوفة قال له: لا تخرج ولا تطلب هذا الأمر فإن الله -عز وجل- يزوي عنكم الدنيا وأنتم أهل بيت اختار الله لكم الآخرة. وكذلك قال ابن عباس فقال: قد جاءوني بثلاثمائة كتاب ليستحثوني على القدوم؛ فعانقه ابن عباس وقال: أستودعك الله من قتيل. اهـ .

وروى الطبراني من حديث أبي واقد رفعه: خير عبد من عبيد الله بين الدنيا وملكها ونعيمها وبين الآخرة فاختار الآخرة، فقال أبو بكر: بل نفديك يا رسول الله بأموالنا وأنفسنا (وكان) بالمدينة (من الصحابة عشرة آلاف) أو أكثر أو أقل (فما خف أيام الفتنة أكثر من أربعين رجلا وجلس طاوس بن كيسان) اليماني (في بيته) فلم يخالط (فقيل له في ذلك) أي: في أمر عزلته (فقال: فساد الزمان وحيف الأئمة) أي: ظلم ولاة الأمور .

(ولما بنى عروة) بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي أبو عبد الله المدني أحد الفقهاء السبعة (قصره بالعقيق) على ثلاثة أميال من المدينة (لزمه فقيل له: لزمت القصر وتركت مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: رأيت مساجدكم لاهية) أي: ذات لهو (وأسواقكم لاغية) أي: ذات لغو (والفاحشة في ناديكم) أي: مجلسكم (عالية) أي: مرتفعة (وفيما هناك عما أنتم فيه عافية) .

قال العجلي في ترجمته مدني تابعي ثقة، وكان رجلا صالحا لم يدخل في شيء من الفتن، وقال ابن سعد: مات سنة أربع وتسعين بأمواله بالفرع ودفن هناك (فإذا الحذر من الخصومات ومثارات الفتن أحد فوائد العزلة) .




الخدمات العلمية