الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأحد مهمات المعتزل قطع الوساوس الصارفة عن ذكر الله .

والأخبار ينابيع الوساوس وأصولها .

وليقنع باليسير من المعيشة وإلا اضطره التوسع إلى الناس واحتاج إلى مخالطتهم .

وليكن صبورا على ما يلقاه من أذى الجيران وليسد سمعه عن الإصغاء إلى ما يقال فيه من ثناء عليه بالعزلة أو قدح فيه بترك الخلطة فإن كل ذلك يؤثر في القلب ولو مدة يسيرة ، وحال اشتغال القلب به لا بد أن يكون واقفا عن سيره إلى طريق الآخرة فإن السير إما بالمواظبة على ورد وذكر مع حضور قلب وإما بالفكر في جلال الله وصفاته وأفعاله وملكوت سمواته وأرضه وإما بالتأمل في دقائق الأعمال ومفسدات القلوب وطلب طرق التحصن منها .

وكل ذلك يستدعي الفراغ والإصغاء إلى جميع ذلك مما يشوش القلب في الحال .

وقد يتجدد ذكره في دوام الذكر من حيث لا ينتظر .

وليكن له أهل صالحة أو جليس صالح لتستريح نفسه إليه في اليوم ساعة من كد المواظبة ففيه عون على بقية الساعات .

ولا يتم له الصبر في العزلة إلا بقطع الطمع عن الدنيا وما الناس منهمكون فيه ولا ينقطع طمعه إلا بقصر الأمل بأن لا يقدر لنفسه عمرا طويلا بل يصبح على أنه لا يمسي ويمسي على أنه لا يصبح فيسهل عليه صبر يوم ولا يسهل عليه العزم على الصبر عشرين سنة لو قدر تراخي الأجل .

التالي السابق


(وأحد مهمات المعتزل قطع الوساوس) النفسية والخواطر الوهمية (الصارفة عن ذكر الله) وعن الفكر والمراقبة، (والأخبار) المختلفة (ينابيع الوساوس وأصولها) ؛ فإنها إنما تنشأ منها ومما يصرف عن [ ص: 378 ] الحضور مع الحق سبحانه ويبطل صورة الجمعية والصحبة الجوع المفرط والشبع المفرط؛ فليحذر منهما أيضا، وفي ملفوظ أبي عثمان المغربي السابق ذكره إشارة إلى كل ذلك (وليقنع باليسير من المعيشة) فإنه أقرب لقطعه عن الناس (وإلا اضطره التوسع) فيها (إلى الناس واحتاج إلى مخالطتهم) فيكون سببا لفساد عزلته (وليكن صبورا على ما يلقاه من أذى الجيران) من قولهم أو فعلهم ولا ينوي الانتصاف منهم؛ فإنه من جلة الإحسان في المجاورة .

(وليسد سمعه عن الإصغاء إلى ما يقال فيه من ثناء عليه بالعزلة أو قدح فيه بترك الخلطة فإن كل ذلك) ربما (يؤثر في القلب ولو مدة يسيرة، وحال اشتغال القلب به لا بد وأن يكون واقفا عن سيره) وسلوكه (في طريق الآخرة) إلى الله تعالى والوقوف في السير نقصان (فإن السير) في هذا الطريق (إما) أن يكون (بالمواظبة على ورد أو ذكر مع حضور القلب) وجمعه مع المذكور (وإما بالفكر في جلال الله تعالى) وعظمته (وصفاته وأفعاله وملكوت سمواته وأرضه) وما فيها من العجائب الدالة على كمال كبريائه (وإما بالتأمل في دقائق الأعمال) الظاهرة (ومفسدات القلوب وطلب طريق التخلص منهما وكل ذلك يستدعي الفراغ) للوقت والقلب (والإصغاء إلى جميع) ما ذكر من (ذلك مما يشوش القلب في الحال) ويفرق صورة الجمعية وهذا هو المسمى عندهم بالتفرقة (وقد يتجدد ذكره) بالانبعاث (في) حالة (دوام الذكر من حيث لا ينظر) فيكون سببا لإزالة صورة الدوام .

(وليكن له أهل) أي: زوجة (صالحة) بأن تكون دينة حسنة الخلق والخلق قانعة باليسير قاصرة طرفها عليه (أو جليس صالح) يعينه على حاله ويواسيه بماله (لتستريح نفسه إليه في اليوم ساعة) أو أكثر (عن ثقل المواظبة) فإن الوقوف على حال واحد مما يعقبه السآمة (ففيه عون على بقية الساعات) وفيه استجماع للقلب وترويح للخاطر (ولا ينقطع طمعه إلا بقصر الأمل بأن لا يقدر لنفسه عمرا طويلا بل يصبح على أنه لا يمسي ويمسي على أنه لا يصبح فيسهل عليه صبر يوم ولا يسهل عليه العزم على الصبر عشرين سنة لو قدر تراخي الأجل) وامتداده فقد حكى صاحب القوت أنه رأى بعض الناس رجلا من الصوفية دفع إليه كيسا فيه بعض دراهم في أول النهار ففرقه كله ثم سأل قوتا في يده بعد عشاء الآخرة فعاتبه على ذلك وقال: وقع لك شيء أخرجته كله فلو تركت منه لعشائك شيئا، فقال: ما ظننت أني أعيش إلى المساء ولو علمت ذلك فعلت .




الخدمات العلمية