الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : أثقل ما يوضع في الميزان خلق حسن وقال صلى الله عليه وسلم : ما حسن الله خلق امرئ وخلقه فيطعمه النار وقال صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق .

قال أبو هريرة رضي الله عنه : وما حسن الخلق يا رسول الله ؟ قال : تصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك .

ولا يخفى أن ثمرة الخلق الحسن الألفة وانقطاع الوحشة ومهما طاب المثمر طابت الثمرة وكيف ، وقد ورد في الثناء على نفس الألفة سيما إذا كانت الرابطة هي التقوى والدين ، وحب الله من الآيات والأخبار والآثار ما فيه كفاية ومقنع ، قال الله تعالى مظهرا عظيم منته على الخلق بنعمة الألفة لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ، وقال : فأصبحتم بنعمته إخوانا أي : بالألفة ثم ذم التفرقة وزجر عنها فقال عز من قائل : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا إلى : لعلكم تهتدون وقال صلى الله عليه وسلم : إن أقربكم مني مجلسا أحاسنكم أخلاقا ، الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون .

وقال صلى الله عليه وسلم : المؤمن آلف مألوف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف .

التالي السابق


(وقال صلى الله عليه وسلم: أثقل ما يوضع في الميزان خلق حسن ) ، وفي بعض النسخ: " أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن" .

قال العراقي : رواه أبو داود والترمذي ، وقال: حسن صحيح، (وقال صلى الله عليه وسلم: ما أحسن الله خلق) بفتح فسكون، (امرئ) أي: رجل، (و) لا (خلقه) بضمهما، (فتطعمه النار) أي: تأكله .

قال الطيبي : استعار الطعم للإحراق مبالغة كأن الإنسان طعامها تتغذى به نحو قوله تعالى: وقودها الناس والحجارة أي: الناس كالوقود والحطب الذي تشتعل به النار .

قال العراقي : رواه ابن عدي والطبراني في مكارم الأخلاق وفي الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة ، قال ابن عدي : في إسناده بعض النكرة، انتهى .

قلت: وكذلك ابن عساكر ، كلهم من طريق هشام بن عمار عن عبد الله بن يزيد النكري ، عن ابن غسان محمد بن مطرف المسمعي ، عن داود بن فداهيج ، عن أبي هريرة بزيادة: أبدا في آخر الحديث، وهو ظرف وضعه للمستقبل، ويستعمل للماضي مجازا، وهو مبالغة، وفي الميزان داود بن فداهيج ضعيف، وقال ابن عدي : لا أرى بمقدار ما يرويه بأسا، وله حديث فيه نكرة، ثم ساق له هذا الخبر، انتهى، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه الجلال السيوطي ، فإنه ورد من طريق آخر، وذكر المسلسل بالاتكاء كما سيأتي ذكره، قلت: وقد روي من حديث ابن عمر ، ومن حديث عائشة ، ومن حديث الحسن بن علي ، ومن حديث أنس ، أما حديث ابن عمر فأخرجه ابن عدي ; ولفظه: "ما حسن الله خلق عبد وخلقه فأطعم لحمه النار" .

وأما حديث عائشة فأخرجه الشيرازي في الألقاب، ولفظه: "ما حسن الله وجه امرئ مسلم فيريد عذابه" .

وأما حديث الحسن بن علي فأخرجه الخطيب في التاريخ ولفظه: "ما حسن الله خلق عبد وخلقه إلا استحيا أن تطعم النار لحمه" . وطرق هذه الألفاظ كلها ضعيفة، لكن تقوى بتعددها وتكثرها، وأما حديث أنس فأخرجه الخطيب أيضا، وقال السيوطي : قال السلفي : قرأت على الفتح الغزنوي وهو متكئ قرأت على حمزة بن يوسف : وهو متكئ، قرأت على علي بن محمد ، وهو متكئ: قرأت على الحسن بن الحجاج الطبراني وهو متكئ، قرأت على ابن العلاء الكوفي وهو متكئ، قرأت على عاصم بن علي ، وهو متكئ قرأت على الليث بن سعد ، وهو متكئ قرأت على بكر بن الفرات وهو متكئ، قرأت على أنس بن مالك ، وهو متكئ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حسن الله خلق رجل ولا خلقه، فتطعمه النار" ، حديث غريب التسلسل، ورجاله ثقات، هذا كلام السيوطي ، قلت: أخرجه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في مسلسلاته عن أبي بكر محمد بن عبد الله الحافظ إجازة، عن أبي الفتح القرشي عن أبي ظافر عن السلفي بشرط التسلسل، ثم قال: رواه مسلسلا كذلك أبو علي الحسن بن علي البردعي عن أبي بكر محمد بن عدي بالبصرة ، عن الحسن بن الحجاج الطبراني به، تابعهما أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الحسين بن حسنويه ، فرواه مسلسلا عن أبي علي الحسن بن الحجاج بن غالب الطبري به، (وقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق، قال أبو هريرة :) رضي الله عنه، (وما حسن الخلق يا رسول الله؟ قال: تصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك) .

قال العراقي : رواه البيهقي في الشعب من رواية الحسن عن أبي هريرة ، ولم يسمع منه انتهى، قلت: هكذا قاله عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه في ترجمة الحسن أنه لا يصح له سماع من أبي هريرة ، (ولا يخفى أن ثمرة حسن الخلق الألفة) ، واجتماع الكلمة (وانقطاع الوحشة) من البين وارتفاع الكلفة والمشقة، (ومهما طاب المثمر طابت الثمرة، فكيف وقد ورد في الثناء على نفس الألفة سيما إذا كانت الرابطة) لها، (هي الدين والتقوى، وحب الله تعالى من الآيات والأخبار والآثار ما فيه كفاية ومقنع، قال الله تعالى) في كتابه العزيز، (مظهرا عظيم منته على الخلق بنعمة الألفة) إذ ألف قلوبهم بعد أن كانوا متفرقين: هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم ، ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ، وقال: فأصبحتم بنعمته [ ص: 173 ] إخوانا أي: بالألفة) متفقين وعلى البر والتقوى مصطحبين، (ثم) ضم التذكرة بالنعم عليهم إلى تقواه، وأمر بالاعتصام بحبله وهداه، و (ذم التفرقة وزجر عنها) إن جمعتهم الدار وقرت ذلك بالمنة منة عليهم إذ أنقذهم من شفا حفرة النار، وقد جعل ذلك كله من آياته الدالة عليه سبحانه ووسيلة المواصلة بالهداية إليه، (فقال عز من قائل:) في مجمل ما شرحناه: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا إلى قوله: لعلكم تهتدون ) ، وهو قوله: واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ، (وقال صلى الله عليه وسلم: إن أقربكم مني مجلسا أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون ) ، قوله: أحاسنكم جمع أحسن، أفعل من الحسن، والأخلاق جمع خلق، وهي أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، وهو محمود ومذموم، والموطئون من التوطئة، وهي التذليل وفراش وطيء لا يؤذي جنب النائم، والأكناف الجوانب، أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم، ولا يتأذى، وهو من أحسن المبالغة .

قال العراقي : رواه الطبراني في مكارم الأخلاق من حديث جابر ، انتهى، قلت: ورواه البيهقي عن ابن عباس بلفظ: خياركم أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا، وشراركم الثرثارون ، ويروى في حديث جابر أيضا بلفظ: "أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا" ، وفي آخر: "وأبغضكم إلي وأبعدكم مني أساويكم أخلاقا" . (وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن آلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) ، قال الماوردي : بين به أن الإنسان لا تصلح حاله إلا الألفة الجامعة، فإنه مقصود بالأذية محسود بالنعمة، فإذا لم يكن آلفا مألوفا تخطفه أيدي حاسديه، وتحكم فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة ولم تصف له مدة، وإذا كان آلفا مألوفا انتصر بالألفة على أعاديه، وامتنع به من حاسديه، فسلمت نعمته منهم، وصفت مدته عنهم، وإن كان صفو الزمان كدرا، ويسره عسرا، وسلمه خطرا، والعرب تقول: من قل ذل، انتهى .

قال العراقي : رواه أحمد والطبراني من حديث سهل بن سعد ، والحاكم من حديث أبي هريرة وصححه، اهـ .

قلت: أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق صخر عن أبي حازم عن أبي هريرة ، وقال: إنه صحيح على شرطهما، ولا أعلم له علة، وتعقبه الذهبي ، فإن أبا حازم هو المدني لا الأشجعي، وهو لم يلق أبا هريرة ، ولا لقيه أبو صخر ، اهـ. وقال الحافظ السخاوي : وقد رواه العسكري من طريق الزبير بن بكار عن خالد بن وضاح عن أبي حازم بن دينار ، فقال: عن أبي صالح عن أبي هريرة ، بل هو عند البيهقي في الشعب، والقضاعي والعسكري من حديث عبد الملك بن أبي كريمة ، عن ابن جريج عن عطاء ، عن جابر مرفوعا بلفظ: المؤمن آلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس ، وليست الجملة الأخيرة منه عند العسكري، انتهى .

قلت: وقد رواه هكذا بتمامه الدارقطني في الأفراد، والضياء في المختارة .




الخدمات العلمية