الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فأما السكوت عن رد الجواب ففيه نظر ; لأن ذلك واجب فلا ينبغي أن يسقط بالظلم .

فإن ترك الداخل جميع ذلك واقتصر على السلام ، فلا يخلو من الجلوس على بساطهم وإذا ، كان أغلب أموالهم حراما ، فلا يجوز الجلوس على فرشهم هذا من حيث الفعل .

فأما السكوت فهو أنه سيرى في مجلسهم من الفرش الحرير وأواني الفضة والحرير الملبوس عليهم وعلى غلمانهم ما هو حرام .

وكل من رأى سيئة وسكت عليها فهو شريك في تلك السيئة .

بل يسمع من كلامهم ما هو فحش وكذب وشتم وإيذاء والسكوت على جميع ذلك حرام ، بل يراهم لابسين الثياب الحرام وآكلين الطعام الحرام ، وجميع ما في أيديهم حرام والسكوت على ذلك غير جائز ، فيجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلسانه إن لم يقدر بفعله .

فإن قلت : إنه يخاف على نفسه ، فهو معذور في السكوت ، فهذا حق ، ولكنه مستغن عن أن يعرض نفسه لارتكاب ما لا يباح إلا بعذر فإنه لو لم يدخل ولم يشاهد لم يتوجه عليه الخطاب بالحسبة حتى يسقط عنه بالعذر .

وعند هذا أقول : من علم فسادا في موضع وعلم أنه لا يقدر على إزالته فلا يجوز له أن يحضر ليجري ذلك بين يديه وهو يشاهده ويسكت ، بل ينبغي أن يحترز عن مشاهدته .

وأما القول فهو أن يدعو للظالم أو يثني عليه أو يصدقه فيما يقول من باطل بصريح قوله أو بتحريك رأسه أو باستبشار في وجهه أو يظهر له الحب والموالاة والاشتياق إلى لقائه والحرص ، على طول عمره وبقائه ، فإنه في الغالب لا يقتصر على السلام بل يتكلم ولا يعدو كلامه هذه الأقسام .

أما الدعاء له فلا يحل إلا أن يقول : أصلحك الله أو وفقك الله للخيرات أو طول الله عمرك في طاعته أو ما يجري هذا المجرى .

التالي السابق


(فأما السكوت عن رد السلام ففيه نظر; لأن ذلك) أي: رد جواب السلام (واجب) إلا فيما استثني، (فلا ينبغي أن يسقط بالظلم) ، وقد يقال: إن ورع سفيان أدى إلى أن الظلم من جملة المستثنيات كغيره مما هو في منظومة ابن العماد، (فإن ترك الداخل جميع ذلك واقتصر على السلام، فلا يخلو) الحال (من الجلوس على بساطهم، فإذا كان أغلب أموالهم حراما، فلا يجوز الجلوس على فرشهم) ، فإنها مشتراة من المال الحرام، أو في الذمة وأدى ثمنه من الحرام، ففيه شبهة الحرام، (هذا من حيث الفعل، فأما السكوت فهو أنه يرى في مجالسهم من فرش الحرير) والديباج والمزركش بالقصب (وأواني الفضة) ، والذهب كالمرشى والمجمرة والطست والإبريق وأواني الشرب، (والحرير الملبوس عليهم وعلى غلمانهم) الواقفين بين أيديهم (مما هو حرام) بالاتفاق، ويزيد على ذلك صباحة وجوههم، ودقة لباسهم كأنهم في زي النساء، فهو مع كونه منكرا النظر إليهم حرام، (وكل من رأى منكرا وسكت عنه) ولم يغيره [ ص: 133 ] بيده أو بلسانه (فهو شريك في ذلك المنكر) ; لأن سكوته بمنزلة رضاه لما هم عليه، (بل يسمع من كلامهم ما هو فحش) وبذيء (وكذب وشتم) ، وفي نسخة: وسفه بدل وشتم، (وإيذاء والسكوت على جميع ذلك حرام، بل يراهم لابسين الثياب) الحرام، (وآكلين الطعام الحرام، وجميع ما في أيديهم) من الأموال والأمتعة (حرام والسكوت على ذلك) كله (غير جائز، فيجب عليه الأمر بالمعروف) شرعا، (والنهي عن المنكر) شرعا، إما (بلسانه إن لم يقدر بفعله) ، فإن لم يقدر بلسانه فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان، وستأتي شروط الأمر بالمعروف في موضعه .

(فإن قيل: إنه يخاف على نفسه، فهو معذور في السكوت، فهذا حق، ولكنه يستغني عن أن يعرض نفسه لارتكاب ما لا يباح إلا لعذر فإنه لو لم يدخل ولم يشاهد) المنكر (لم يتوجه عليه الخطاب بالحسبة حتى يسقط عنه بالعذر، وعند هذا أقول: من علم فسادا في موضع) من أنواع المنكرات، (وعلم أنه لا يقدر على إزالته) ودفعه، (فلا يجوز له أن يحضر ذلك الموضع) رأسا (ليجري ذلك الفساد بين يديه وهو) بمرأى منه ومسمع، و (يشاهده ويسكت عن الإنكار له، بل ينبغي أن يحترز عن مشاهدته) ، ولذا قالوا: إن الوليمة إذا كانت لا تخلو من هذه المنكرات، فلا يجب إجابتها إلا إذا علم من نفسه أنه يقدر على إزالتها، (فأما القول فهو أن يدعو للظالم) بأنواع الأدعية، (ويثني عليه) بالجميل، (أو يصدقه فيما يقول من باطل) وزور وكذب، (إما بصريح قوله أو بتحريك رأسه أو باستبشار في وجهه) وطلاقة بشرته، (أو بإظهار حب وموالاة) ومصادقة، (أو اشتياق إلى لقائه، وحرص على طول عمره وبقائه، فإنه في غالب الأمر لا يقتصر على السلام) فقط، (بل يتكلم) ويطول لسانه، (ولا يعدو) أي: لا يتجاوز (كلامه هذه الأقسام) المذكورة، (وأما الدعاء فلا يحل إلا أن يقول: أصلحك الله) أيها الأمير، أي: جعل ظاهرك وباطنك صالحا، (أو وفقك الله للخيرات أو طول الله عمرك في طاعته) ، أو أصلح الله شأنك أو أعانك الله على وقتك، أو وفقك لما يحبه ويرضاه، (وما يجري هذا المجرى) من الأدعية المناسبة الوقت والمقام; كأن يقول: نصرك الله على عدوك، أو قوى الله شوكتك أو أعانك فيما أنت عليه، أو حبب الله إليك الصالحات، أو رزقك الله التوفيق والإعانة .




الخدمات العلمية