الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن ذلك أن تثني عليه بما تعرف من محاسن أحواله عند من يؤثر هو الثناء عنده ؛ فإن ذلك من أعظم الأسباب في جلب المحبة وكذلك الثناء على أولاده وأهله وصنعته وفعله حتى على عقله وخلقه وهيئته وخطه وشعره وتصنيفه وجميع ما يفرح به وذلك من غير كذب وإفراط ولكن تحسين ما يقبل التحسين لا بد منه وآكد من ذلك أن تبلغه ثناء من أثنى عليه مع إظهار الفرح فإن إخفاء ذلك محض الحسد ومن ذلك تشكره على صنيعه في حقك بل على نيته وإن لم يتم ذلك .

قال علي رضي الله عنه : من لم يحمد أخاه على حسن النية لم يحمده على حسن الصنيعة .

التالي السابق


(ومن ذلك أن تثني عليه بما تعرف من محاسن أفعاله عند من يريد هو الثناء عنده؛ فإن ذلك من أعظم الأسباب في جلب المحبة) ، والطبع مجبول على حب من فعل مثل ذلك كما هو مشاهد (وكذلك الثناء على أولاده وأهله) وقرابته الأدنين وأتباعه وحشمه (وصنعته) التي هو فيها (وفعله حتى على عقله وخلقه وهيئته) الظاهرة (وخطه) إن كان جيدا (وشعره) إن كان موزونا (وتصنيفه) في أي: فإن كان (وجميع ما يفرح به وذلك) كله (من غير كذب وإفراط) في المدح؛ لئلا ينقلب إلى ضده (ولكن تحسين ما يقبل التحسين لا بد منه) كأن يقول: إن أولادك وأهلك أحسن من غيرهم في هذا الزمان وإن صنعتك هذه لا بأس بها ما اتقيت [ ص: 222 ] الله فيها، وإن فعلك لحسن وإن عقلك ذكي وهيئتك هذه تدل على حسن الخلق في الباطن، وإن هذا الخط جلي واضح صحيح يؤدي إلى المعنى بأقرب طريق، وإن شعرك فيه حكمة وإن تصنيفك مفيد في الباب جامع للفروع المحتاج إليها، وأقل الدرجات في ذلك يكون المؤمن قد عود لسانه بالطيب من القول .

وأخرج أبو نعيم في الحلية في ترجمة مالك بن دينار أن عيسى -عليه السلام- مر مع الحواريين على جيفة كلب فكلهم قد أسرع السير ووضع يده على أنفه إلا عيسى -عليه السلام- فإنه سار على سكينة، فلما تجاوزوا قالوا: ما أنتن ريحه! فقال عيسى -عليه السلام-: ما أحسن بياض أسنانه! فقيل له في ذلك؛ فقال: لا أعود لساني الذم. ومر عمر -رضي الله عنه- على قوم يصطادون بالنار، فقال: السلام عليكم يا أهل النور. ولم يقل: أهل النار.

(وآكد من ذلك أن تبلغه ثناء من أثنى عليه مع إظهار الفرح به) والسرور له (فإن إخفاء ذلك من محض الحسد) وخالص الغل المستكن في الصدر (ومن ذلك أن تشكره على صنيعه في حقك) من المعروف والبر والصلة (بل على نيته) بأن نوى أن يعمل معك معروفا (وإن لم يتم ذلك) وفي نسخة: وإن لم يتمم (قال علي -رضي الله عنه-: من لم يحمد أخاه على حسن النية لم يحمده على حسن الصنيعة) وله شاهد من حديث جابر: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير" الحديث. أخرجه الديلمي.




الخدمات العلمية