الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو امتنع عن الشرب بالكوز لأن صانع الفخار الذي عمل الكوز كان قد عصى الله يوما بضرب إنسان أو شتمه لكان هذا وسواسا .

ولو امتنع من لحم شاة ساقها آكل حرام فهذا أبعد من يد السجان ; لأن الطعام يسوقه قوة السجان والشاة تمشي بنفسها ، والسائق يمنعها عن العدول في الطريق فقط فهذا قريب من الوسواس .

فانظر كيف تدرجنا في بيان ما تتداعى إليه هذه الأمور .

واعلم أن كل هذا خارج عن فتوى علماء الظاهر فإن فتوى الفقيه تختص بالدرجة الأولى التي يمكن تكليف عامة الخلق بها ولو اجتمعوا عليه لم يخرب العالم دون ما عداه من ورع المتقين والصالحين .

والفتوى في هذا ما قاله صلى الله عليه وسلم لوابصة إذ قال : استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك وعرف ذلك إذ قال الإثم حزاز القلوب .

وكل ما حاك في صدر المريد من هذه الأسباب فلو أقدم عليه مع حزازة القلب استضربه وأظلم قلبه بقدر الحزازة التي يجدها بل لو أقدم على حرام في علم الله ، وهو يظن أنه حلال لم يؤثر ذلك في قساواة قلبه ولو أقدم على ما هو حلال في فتوى علماء الظاهر ، ولكنه يجد حزازة في قلبه فذلك ، يضره .

وإنما الذي ذكرناه في النهي عن المبالغة أردنا به أن القلب الصافي المعتدل هو الذي لا يجد حزازة في مثل تلك الأمور .

التالي السابق


(ولو امتنع عن الشرب من كوز لأجل أن الفخاري) هكذا في النسخ بإثبات الياء، وفي بعضها بحذفها، وهو الذي يعمل الأواني من الطين، (الذي عمل الكوز كان قد عصى الله تعالى يوما بضرب إنسان) ظلما، (أو شتمه) والوقيعة في عرضه استطالة (لكان هذا وسواسا) محضا (ولو امتنع من) أكل ( لحم شاة ساقها آكل حرام لكان هذا أبعد من يد السجان; لأن الطعام تسوقه قوة السجان) ، فإنه لا ينساق بنفسه، (والشاة تمشي بنفسها، والسائق يمنعها عن العدول عن الطريق) يمنة ويسرة فقط، (فهذا قريب من الوسواس) المحذور عنه، (فانظر كيف تدرجنا) أي: تسهلنا (في بيان ما تتداعى إليه هذه الأمور) أي: يدعو بعضها بعضا، (واعلم أن كل هذا) الذي ذكرناه (خارج عن فتوى علماء الظاهر) من أهل اللسان، (فإن فتوى الفقيه تختص بالدرجة الأولى التي يمكن تكليف كافة الخلق بها) واجتماعهم عليها، (ولو اجتمعوا على ذلك لم يخرب) نظام (العالم دون ما عداه من ورع المتقين والصالحين) . وإليه الإشارة في كلام صاحب القوت: والحلال والحرام ما اجتمعوا عليه، (والفتوى في مثل هذا ما قاله صلى الله عليه وسلم لوابصة) بن معبد رضي الله عنه، (إذ قال له: استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك ) . رواه البخاري في التاريخ نحوه، وقد تقدم في كتاب العلم، والمراد بالمفتين هنا هم علماء السنة من غير أهل القلوب، (وعرف ذلك إذ قال عليه) الصلاة و (السلام الإثم حزاز القلوب ) تقدم في كتاب العلم أيضا: الإثم ما حاك في صدرك ". (فكل ما حاك في صدر المريد من هذه الأسباب فلو أقدم عليه مع حزازة القلب لاستضر به وأظلم قلبه) بذهاب النور منه (بقدر الحزازة التي يجدها) فيه، (بل لو أقدم على حرام في علم الله تعالى، وهو يظن أنه حلال لم يؤثر ذلك في قساوة قلبه) ، إذ لم يجد لذلك حزازة في القلب، (ولو أقدم على ما هو حلال في فتوى علماء الظاهر، ولكنه يجد) لذلك (حزازة في قلبه، لكان ذلك يضره) في سلوكه، (وإنما الذي ذكرناه في النهي عن المبالغة أردنا به أن القلب الصافي) عن المكدورات (المعتدل) [ ص: 61 ] بلا تفريط وإفراط (هو الذي لا يجد حزازة في مثل تلك الأمور) ، بل يطمئن بما يظهر له من الأمور .




الخدمات العلمية