الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك لا يكون بالعمل بين يديه مرائيا وخارجا عن أعمال السر إلى أعمال العلانية فإن معرفة أخيه بعمله كمعرفته بنفسه من غير فرق ، وقد قال عليه السلام : من ستر عورة أخيه ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة .

وفي خبر آخر فكأنما أحيا موءودة .

وقال عليه السلام إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهو أمانة .

وقال المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس : مجلس يسفك فيه دم حرام ومجلس يستحل فيه فرج حرام ومجلس يستحل فيه مال من غير حله .

وقال صلى الله عليه وسلم إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة ولا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره .

التالي السابق


(وكذلك لا يكون بالعمل بين يديه مرائيا وخارجا عن أعمال السر إلى أعمال العلانية فإن معرفة أخيه لعمله كمعرفته بنفسه من غير فرق، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: من ستر عورة أخيه ستره الله في الدنيا والآخرة) .

قال العراقي: رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس وقال: يوم القيامة، ولم يقل: في الدنيا، ولمسلم من حديث أبي هريرة: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، وللشيخين من حديث عمر: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. انتهى .

قلت: لفظ حديث ابن عباس عند ابن ماجه: "من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها"، وروى عبد الرزاق من حديث عقبة بن عامر: "من ستر مؤمنا في الدنيا على عورة ستره الله يوم القيامة"، وروى أبو نعيم من حديث ثابت بن مخلد: "من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة". وزاد عبد الرزاق وأحمد وابن أبي الدنيا "في قضاء الحوائج" والخطيب من حديث مسلمة بن مخلد "ومن فك عن مكروب فك الله عنه كربة من كرب يوم القيامة". الحديث .

وروى الخرائطي في مكارم الأخلاق حديث ابن عمر "من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"، وروى أحمد عن رجل من الصحابة: "من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة"، وروى عبد الرزاق من حديث عقبة بن عامر: "من ستر أخاه في فاحشة رآها عليه ستره الله في الدنيا والآخرة " .

(وفي خبر آخر فكأنما أحيا موءودة) .

قال العراقي: رواه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث عقبة بن عامر "من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة" زاد الحاكم (من قبرها) وقال: صحيح الإسناد. انتهى .

قلت: ورواه أيضا البخاري في الأدب المفرد بهذه الزيادة .

وروى أحمد وابن ماجه من حديثه أيضا بلفظ: "من ستر على مؤمن عورة، فكأنما أحيا موءودة من قبرها". ورواه بهذا اللفظ ابن مردويه والبيهقي والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن عساكر وابن النجار من حديث جابر، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث مسلمة بن مخلد.

وروى الطبراني في الكبير والضياء في المختارة من حديث رجل من الصحابة اسمه جابر بن شهاب كان ينزل مصر بلفظ: "من ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا ميتا"، وروى الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عقبة بلفظ: "من ستر على مؤمن جريمة فكأنما أحيا موءودة من قبرها" ولابن حبان والبيهقي من حديثه "من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة في قبرها" وعند البيهقي من حديث أبي هريرة "من ستر على مؤمن فاحشته فكأنما أحيا موءودة".

(وقال -صلى الله عليه وسلم- إذا حدث الرجل بحديث) وفي رواية الحديث وفي أخرى: إذا حدث رجل رجلا حديثا (ثم التفت) يمينا وشمالا فظهر من حاله بالقرائن أن قصده أن لا يطلع على حديثه غير الذي حدثه (فهي) أي: الكلمة التي حدث بها (أمانة) عند المحدث فيجب عليه كتمها؛ إذ التفاته بمنزلة استكتامه بالنطق، قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي من حديث جابر، وقال: حسن. انتهى .

قلت: أخرجه أبو داود في الأدب والترمذي في البر والصلة وكذلك أخرجه أحمد والضياء في المختارة وصححه .

وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس وفيه حبارة بن المغلس ضعيف وبقية رجاله ثقات (وقال) -صلى الله عليه وسلم- (المجالس بالأمانة) فلا يشيع حديث جليسه إلا فيما يحرم ستره من الإضرار بالمسلمين ولا يبطن غير ما يظهره. رواه ابن ماجه، من حديث جابر والخطيب من حديث علي، وأورده القضاعي في الشهاب، وكذا الديلمي والعسكري، كلهم من طريق حسين بن عبد الله بن حمزة عن أبيه عن جده عن علي، وقال الحافظ في الفتح: سنده ضعيف، فلا يلتفت [ ص: 217 ] إلى قول شراح الشهاب كأبي بكر العامري البغدادي والحضرمي أنه صحيح ويروى بزيادة (إلا ثلاثة مجالس: مجلس يسفك فيه دم حرام) أي: يراق دم سائل من مسلم بغير حق (ومجلس يستحل فيه فرج حرام) أي: على وجه الزنا (ومجلس يستحل فيه مال من غير حله) سواء من مال مسلم أو ذمي، فمن قال في مجلس: أريد قتل فلان أو الزنا بفلانة أو مال فلان ظلما لا يجوز للمستمعين حفظ سره بل عليهم إفشاؤه دفعا للمفسدة، والمراد منه أن المؤمن إذا حضر مجلسا ووجد أهله على منكر أن يستر على عوراتهم ولا يشيع ما رأى منهم إلا أن يكون أحد هذه الثلاثة؛ فإنه فساد كبير، وإخفاؤه إضرار عظيم، قال العراقي: رواه أبو داود من حديث جابر من رواية ابن أخيه غير مسمى عنه. انتهى .

قلت: ولفظه في الأدب: إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام أو اقتطاع مال بغير حق، قال المنذري: ابن أخي جابر مجهول، قال: وفيه أيضا عبد الله بن نافع الصائغ روى له مسلم وغيره وفيه كلام. اهـ. ولكن سكوت أبي داود عليه يدل على حسنه، والله أعلم .

وروى أبو الشيخ في كتاب التوبيخ من حديث عثمان بن عفان وابن عباس بلفظ: "إنما المجالس بالأمانة" والمعنى: المجالس الحسنة إنما هي المصحوبة بالأمانة .

(وقال) صلى الله عليه وسلم: (إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة لا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره) كذا في القوت، قال العراقي: رواه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف، ورواه ابن المبارك في الزهد من حديث أبي بكر بن حزم مرسلا، وللحكم من حديث ابن عباس بلفظ: "إنما يتجالس المتجالسان بأمانة الله تعالى فلا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يخاف" وفي سنده وسند ابن لال عبد الله بن محمد بن المغيرة، قال الذهبي في الضعفاء: قال العقيلي: يحدث بما لا أصل له، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه لا يتابع عليها، وأما مرسل أبي بكر بن حزم فقد رواه البيهقي في الشعب وقال: هذا مرسل جيد .




الخدمات العلمية