الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما التصوف فهو عبارة عن تجرد القلب لله تعالى واستحقار ما سوى الله .

وحاصله يرجع إلى عمل القلب والجوارح .

ومهما فسد العمل فات الأصل .

وفي أسفار هؤلاء نظر للفقهاء من حيث أنه إتعاب للنفس بلا فائدة وقد يقال : إن ذلك ممنوع .

ولكن الصواب عندنا أن نحكم بالإباحة فإن حظوظهم التفرج عن كرب البطالة بمشاهدة البلاد المختلفة وهذه الحظوظ وإن كانت خسيسة فنفوس المتحركين لهذه الحظوظ أيضا خسيسة ولا بأس بإتعاب حيوان خسيس لحظ خسيس يليق به ويعود إليه فهو المتأذي والمتلذذ .

والفتوى تقتضي تشتيت العوام في المباحات التي لا نفع فيها ولا ضرر فالسابحون في غير مهم في الدين والدنيا بل لمحض التفرج في البلاد كالبهائم المترددة في الصحارى فلا بأس بسياحتهم ما كفوا عن الناس شرهم ولم يلبسوا على الخلق حالهم وإنما عصيانهم في التلبيس والسؤال على اسم التصوف والأكل من الأوقاف التي وقفت على الصوفية لأن الصوفي عبارة عن رجل صالح عدل في دينه مع صفات أخر وراء الصلاح .

التالي السابق


(وأما التصوف فهو عبارة عن تجرد القلب لله واستحقار ما سوى الله) بأن لا يكون في ملاحظته غيره (وحاصله يرجع إلى عمل القلب والجوارح ومهما فسد العمل فات الأصل) المحصول (وفي أسفار) مثل هؤلاء (نظر) وبحث (للفقهاء من حيث إنه إتعاب نفس بلا فائدة) تئول إليه وهو منهي عنه (وقد يقال: إن ذلك ممنوع) وسند المنع أنا لا نسلم أنه إتعاب نفس بلا فائدة فأقل ما يقال: فيه أن تلك الحركة لا تخلو عن مشقة وهي لا تقصر عن رياضة للبدن، وهذه فائدة في الجملة، (ولكن الصواب عندنا أن نحكم بالإباحة) لهم (فإن حظوظهم) من سياحتهم (التفرج عن كرب البطالة) وغمومها فإن البطالة ثقل معنوي لا يخففها إلا التنقل من أرض إلى أرض (بمشاهدة البلاد المختلفة) وما فيها من الآثار القديمة والحادثة، (وهذه الحظوظ وإن كانت) عند أهل الحق (خسيسة) مبتذلة (فنفوس المتحركين لهذه الحظوظ أيضا خسيسة ولا بأس بإتعاب حيوان خسيس لحظ خسيس يليق به ويعود إليه فهو المتأذي وهو المتلذذ) فلكل عمل رجال ولكل ميدان أبطال .

(والفتوى تقتضي تسييب العوام في المباحات التي لا نفع فيها ولا ضرر فالسائحون) في الأرض (من غير مهم في الدين والدنيا بل لمحض التفرج في البلاد كالبهائم المترددة في الصحاري) بلا أزمة ولا خطام (فلا بأس [ ص: 396 ] بسياحتهم ما كفوا الناس عن شرهم) من لسانهم ويدهم (ولم يلبسوا على الخلق حالهم) وكف شرهم عن الناس إن كان ذا شر ولم يجدوا بدا إلا بمفارقتهم إياهم فهي فائدة يئول إلى الناس نفعها وإليه أيضا وأما تلبيس الحال على الخلق فهذا أمر آخر زائد على الأول (وإنما عصيانهم في التلبيس والسؤال على اسم التصوف والأكل من الأوقاف التي وقفت على الصوفية) بأن يجعل نفسه صوفيا فيرتب له شيء من ذلك الوقف أو يسأل الناس على اسم التصوف فيعطى لذلك ويكرم فهو عصيان، وحاله حال المتشبه بما لم يعط فهو زائر مزور؛ (لأن الصوفي عبارة عن رجل صالح عدل في دينه مع صفات أخرى وراء الصلاح) يبعد اجتماعها في شخص على الوجه المرضي فكيف يلبس عليهم حاله وهو لم يتصف بتلك الأوصاف .




الخدمات العلمية