الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة :

ما وقف على رباط الصوفية وسكانه ، فالأمر فيه أوسع مما أوصى لهم به لأن معنى الوقف الصرف إلى مصالحهم فلغير الصوفي أن يأكل معهم برضاهم على مائدتهم مرة أو مرتين فإن أمر الأطعمة مبناه على التسامح حتى جاز الانفراد بها في الغنائم المشتركة وللقوال أن يأكل معهم في دعوتهم من ذلك الوقف ، وكان ذلك من مصالح معايشهم ، وما أوصى به للصوفية لا يجوز أن يصرف إلى قوال الصوفية بخلاف الوقف ، وكذلك من أحضروه من العمال والتجار والقضاة والفقهاء ممن لهم غرض في استمالة قلوبهم يحل لهم الأكل برضاهم ، فإن الواقف لا يقف إلا معتقدا فيه ما جرت به عادات الصوفية فينزل على العرف ولكن ليس هذا على الدوام فلا يجوز لمن ليس صوفيا أن يسكن معهم على الدوام ويأكل وإن رضوا به ، إذ ليس لهم تغيير شرط الواقف بمشاركة غير جنسهم .

وأما الفقيه إذا كان على زيهم وأخلاقهم ، فله النزول عليهم وكونه فقيها لا ينافي كونه صوفيا ، والجهل ليس بشرط في التصوف عند من يعرف التصوف ولا يلتفت إلى خرافات بعض الحمقى بقولهم : إن العلم حجاب فإن الجهل هو الحجاب .

وقد ذكرنا تأويل هذه الكلمة في كتاب العلم وأن الحجاب هو العلم المذموم دون المحمود وذكرنا المحمود والمذموم وشرحهما .

وأما الفقيه إذا لم يكن على زيهم وأخلاقهم ، فلهم منعه من النزول عليهم فإن رضوا بنزوله فيحل له الأكل معهم بطريق التبعية فكان عدم الزي تجبره المساكنة ، ولكن برضا أهل الزي ، وهذه أمور تشهد لها العادات ، وفيها أمور متقابلة لا يخفى أطرافها في النفي والإثبات ومتشابه أوساطها ، فمن احترز في مواضع الاشتباه فقد استبرأ لدينه كما نبهنا عليه في أبواب الشبهات .

التالي السابق


(مسألة: ما وقف على رباط الصوفية وسكانه، فالأمر فيه أوسع مما أوصى به للصوفية لأن معنى الوقف الصرف إلى مصالحهم) ، أي: السكان، (فلغير الصوفي أن يأكل معهم برضاهم على مائدتهم مرة أو مرتين) ، أو أكثر، (فإن أمر الأطعمة مبناه على التسامح) ، فلا يمنع منها غيرهم (حتى جاز الانفراد بها في الغنائم المشتركة) ، وفي نسخة: حتى كان الانفراد بها في الغنائم المشتركة جائزا، (وللقوال) وهو المنشد لهم في حلقة الذكر (أن يأكل معهم في دعوتهم من ذلك الوقف، وكان ذلك من مصالح معايشهم، وما أوصى به للصوفية لا يجوز أن يصرف إلى قوال الصوفية ) ; لأنه ليس منهم (بخلاف الوقف، وكذلك من حضرهم) في المجلس (من العمال) على الولايات، (والتجار والقضاة والفقهاء) وغيرهم (ممن لهم في استمالة قلوبهم غرض) ديني أو دنيوي (يحل لهم الأكل) من طعامهم (برضاهم، فإن الواقف لا يقف) عليهم شيئا (إلا معتقدا فيهم ما جرت به عادات الصوفية ) ، وعهد من حالهم (فينزل على العرف) والمصطلح، (ولكن ليس هذا على الدوام) والاستمرار، (فلا يجوز لمن ليس صوفيا أن يسكن معهم على الدوام ويأكل وإن رضوا به، إذ ليس لهم تغيير شرط الواقف بمشاركة غير جنسهم) والواقف شرط في وقفه أن يكون ريعه مصروفا إلى الصوفية وسكان الرباط، (وأما الفقيه إذا كان على [ ص: 157 ] زيهم) وشكلهم، (وأخلاقهم، فله النزول عليهم) ، والدخول في سهامهم، (وكونه فقيها لا ينافي كونه صوفيا، والجهل ليس بشرط في التصوف عند من يعرف التصوف) ، فإن التصوف هو مراعاة أمور الشرع ظاهرا وباطنا، والعمل بالكتاب والسنة، (فلا يلتفت إلى خرافات بعض الحمقى) ممن لم يشموا رائحة المعرفة (بقولهم: إن العلم حجاب) الله الأكبر، أي: يحول بينه وبين السلوك إلى الحق، (فإن الجهل هو الحجاب) الأعظم، (وقد ذكرت تأويل هذه الكلمة في كتاب العلم) ، وتكلمت عليه بما يناسب المقام، فإن شئت راجعه، (وإن الحجاب) الذي يصونه (هو العلم المذموم دون المحمود) منه، (وقد ذكرنا المحمود والمذموم وشرحهما) هناك، (وأما الفقيه إذا لم يكن على زيهم وأخلاقهم، فلهم منعه من النزول عليهم) إذ هو أجنبي عندهم، (وإن رضوا بنزوله) بسبب من الأسباب، (فيحل له الأكل معهم بطريق التبعية) لا الأصالة، (وكان عدم الزي تجبره المساكنة، ولكن برضا أهل الزي، وهذه الأمور تشهد بها العادات، وفيها أمور متقابلة لا تخفى أطرافها في النفي والإثبات وتشابه أوساطها، فمن احترز في موضع الاشتباه فقد استبرأ) ، أي: طلب البراءة (لدينه) ، وهو الورع، (كما نبهنا على ذلك في باب الشبهات) ، فراجعه .




الخدمات العلمية