الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والقضاء في أقطار الأرض ولاية نافذة الأحكام .

وتحقيق هذا قد ذكرناه في أحكام الإمامة من كتاب الاقتصاد في الاعتقاد فلسنا نطول الآن به .

وأما الإشكال الآخر وهو أن السلطان إذا لم يعمم بالعطاء كل مستحق فهل يجوز للواحد أن يأخذ منه ، فهذا مما اختلف العلماء فيه على أربع مراتب ، فغلا بعضهم .

وقال : كل ما يأخذه فالمسلمون كلهم فيه شركاء ولا يدري أن حصته منه دانق أو حبة فليترك الكل وقال قوم : له أن يأخذ قدر قوت يومه فقط فإن هذا القدر يستحقه لحاجته على المسلمين ، وقال قوم : له قوت سنة فإن أخذ الكفاية كل يوم عسير وهو ذو حق في هذا المال ، فكيف يتركه وقال قوم وقال قوم : إنه يأخذ ما يعطى ، والمظلوم هم الباقون .

وهذا هو القياس ; لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين كالغنيمة بين الغانمين ، ولا كالميراث بين الورثة ; لأن ذلك صار ملكا لهم .

وهذا لو لم يتفق قسمه حتى مات هؤلاء لم يجب التوزيع على ورثتهم بحكم الميراث .

بل هذا الحق غير متعين ، وإنما يتعين بالقبض .

بل هو كالصدقات ومهما أعطي الفقراء حصتهم من الصدقات وقع ذلك ملكا لهم ولم يمتنع بظلم المالك بقية الأصناف بمنع حقهم هذا إذا لم يصرف إليه كل المال ، بل صرف إليه من المال ما لو صرف إليه بطريق الإيثار والتفضيل مع تعميم الآخرين لجاز له أن يأخذه والتفضيل جائز في العطاء .

سوى أبو بكر رضي الله عنه فراجعه عمر رضي الله عنه فقال إنما فضلهم عند الله وإنما الدنيا بلاغ .

وفضل عمر رضي الله عنه في زمانه فأعطى عائشة اثني عشر ألفا وزينب عشرة آلاف وجويرية ستة آلاف ، وكذا صفية .

وأقطع عمر لعلي خاصة رضي الله عنهما .

وأقطع عثمان أيضا من السواد خمس جنات .

التالي السابق


( والقضاة في أقطار الأرض ولاة نافذو الأحكام ) ، ولذلك يحشرون مع السلاطين كما تقدم ذلك في كتاب العلم، (وتحقيق ذلك قد ذكرناه في أحكام الإمامة) العظمى (من كتاب الاقتصاد في الاعتقاد) ، فليراجع، (فلسنا نطول الآن به، وأما الإشكال الآخر وهو أن السلطان إذا لم يعم بالعطاء كل مستحق ) له، (فهل يجوز للواحد أن يأخذ منه، فهذا مما اختلف العلماء فيه على أربع مراتب، فغلا بعضهم فقال: كل ما يأخذه فالمسلمون كلهم فيه شركاء) في الأخذ، (ولا يدري أن حصته منه دانق أو حبة) ، أما الدانق بفتح النون وتكسر وقيل: الكسر أفصح، فهو حبتا خرنوب، وثلثا حبة خرنوب، والجمع الدوانق، وأول من ضربها في الإسلام أبو جعفر السفاح ، ولذا لقب بالدوانيقي، والمراد بالحبة حبة خرنوب، فالدرهم الإسلامي ست عشرة حبة خرنوب (فليترك الكل) ولا يأخذ منه شيئا، (وقال قوم: له أن يأخذ قوت يوم فقط) ، والليل تابع له، (فإن هذا القدر يستحقه بحاجته) أي: بسببها، وفي نسخة: لحاجته أو لأجلها (على المسلمين، وقال قوم: له) أن يأخذ (قوت سنة) ، أي: من الحول للحول، فيحسب ما يكفيه كل يوم ثم يجمعه فيأخذه مرة واحدة، (فإن أخذ الكفاية كل يوم عسير) لطرو الأعذار المانعة، (وهو ذو رزق) وفي نسخة: وهو ذو حق (في هذا المال، فكيف يتركه) وإذا قسطه الإمام على أثلاث فيعطي في كل أربعة [ ص: 123 ] أشهر مرة واحدة قدر ما يكفيه في هذه المدة كان حسنا، وهو الذي أراه وأذهب إليه (وقال قوم: إنه يأخذ ما يعطى، والمظلوم هم الباقون، وهذا هو القياس; لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين كالغنيمة بين الغانمين، ولا) هو (كالميراث بين الورثه; لأن ذلك صار ملكا لهم) ، فإن مات من هؤلاء أحد ينتقل نصيبه إلى من يرثه، (وهذا) المال (لو لم يتفق قسمه حتى مات هؤلاء) يعني المستحقين (لم يجب التوزيع على ورثتهم بحكم الميراث، بل هذا حق غير معين، وإنما يتعين بالقبض) ، وأما قبله فلا يتحقق فيه التعيين، (بل هو كالصدقات) أي: في حكمها، (ومهما أعطي الفقراء حصتهم من الصدقات صار ذلك ملكا لهم) ، إذ له فيها حق ثابت، فإذا أخذه فقد ملك حقه، (ولم يمتنع بظلم المالك بقية الأصناف) السبعة، (بمنع حقهم هذا إذا لم يصرف إليه كل المال، بل صرف إليه من المال ما) أي: القدر الذي (لو صرف بطريق الإيثار والتفضيل) بأن آثره دون غيره بزيادة، (مع تعميم الآخرين لجاز له أن يأخذه) ، وهل يجوز التخصيص بالتفضيل مع التعميم أشار إليه المصنف بقوله (والتفضيل جائز في العطاء) كالتسوية، (سوى أبو بكر رضي الله عنه) في العطاء، (فراجعه عمر رضي الله عنه) ، وأشار له أن يفضل، (فقال) أبو بكر : (إنما فضلهم عند الله تعالى) ، فلا أفضل أحدا على أحد، (وإنما الدنيا بلاغ) ، أي: كالبلاغ ينتفع بها إلى الآخرة، ووجه الاستدلال به أن التفضيل لو لم يكن جائزا لما أشار به عمر وأبو بكر رضي الله عنه تمسك بما هو الأقوى، (وفضل عمر ) رضي الله عنه (في زمانه) أي: أيام خلافته وخالف صاحبه في العطاء اجتهادا منه، (فأعطى عائشة ) رضي الله عنها (اثني عشر ألفا) درهما نقرة، لعلو منصبها ولكمال قربها من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكونها فقيهة يؤخذ عنها، (وزينب) بنت جحش الأسدية ماتت سنة عشرين في خلافة عمر ، (عشرة آلاف) ; لأنها كانت أطولهن يدا، وكانت كثيرة الصرف، (وجويرية) بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية من بني المصطلق سباها في غزوة المريسيع ثم تزوجها، ماتت سنة خمسين على الأصح، (ستة آلاف، وكذا صفية ) أعطاها ستة آلاف وهي بنت حيي بن أخطب الإسرائيلية، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خيبر ، وماتت في خلافة معاوية على الصحيح، (وأقطع عمر عليا رضي الله عنهما خاصة) ، أي: إقطاعا خاصا لا يشاركه فيه أحد، (وأقطع عثمان أيضا من) أرض (السواد) بالعراق (خمس حبات) من أربع وعشرين حبة، والإقطاع هو ربط الرزق على أرض، يقال: أقطع الإمام الجند البلد إقطاعا جعل لهم عليه رزقا، واسم ذلك الشيء الذي يقطع قطيعة ومنه قطائع العراق ، وأهل مصر هربوا من القطيعة لما فيها من التشاؤم فسموه أرزقة .




الخدمات العلمية