الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومهما طلب فلم يجد فليقصد صعيدا طيبا عليه تراب يثور منه غبار وليضرب عليه كفيه بعد ضم أصابعهما ضربة فيمسح بها وجهه .

ويضرب ضربة أخرى بعد نزع الخاتم ويفرج الأصابع ويمسح بها يديه إلى مرفقيه فإن لم يستوعب بضربة واحدة جميع يديه ضرب ضربة أخرى وكيفية التلطف فيه ما ذكرناه في .

كتاب الطهارة فلا نعيده .

التالي السابق


الباب الثاني في كيفية التيمم

وإليه أشار بقوله (ومهما طلب) الماء (فلم يجد) فليتيمم أي: (فليقصد صعيدا طيبا) قال الله تعالى في كتابه العزيز: وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا قال أهل اللغة: التيمم القصد والتعمد وله أركان: أحدها: أن يكون ذلك الصعيد (عليه تراب يثور منه غبار) والمراد بالطيب أن يكون طاهرا خالصا غير مستعمل، فالتراب متعين ويدخل فيه جميع أنواعه ولو ضرب يده على ثوب أو جدار ونحوهما وارتفع غبار جاز التيمم، وأما الرمل فالمذهب أنه إن كان خشنا لا يرتفع منه غبار لم يكف ضرب اليدين عليه وإن ارتفع كفى، وقيل: قولان مطلقا، وأما كونه طاهرا فلا بد منه فلا يصح بنجس مطلقا، وأما كونه خالصا فيخرج منه المشوب بالزعفران والدقيق ونحوهما، فإن كثر المخالط لم يجز بلا خلاف، وكذا إن قل على الصحيح، وهذا الذي ذهب إليه الشافعي من كونه لا يجوز التيمم بغير التراب هو مذهب أحمد، وقال أبو حنيفة ومالك يجوز بسائر الأجناس من الأرض مما ينطبخ كالنورة والزرنيخ، وزاد مالك فقال: ويجوز بكل ما اتصل بالأرض كالنبات .

الركن الثاني: قصد التراب .

الركن الثالث: نقل التراب الممسوح به العضو .

الركن الرابع: النية، الركن الخامس: مسح الوجه .

الركن [ ص: 426 ] السادس: مسح اليدين .

الركن السابع: الترتيب .

وفي كل ذلك تفريعات يأتي ذكر بعضها .

(ويضرب عليه كفيه بعد ضم أصابعهما ضربة) واحدة (فيمسح بهما وجهه) ، ويجب استيعابه ولا يجب إيصال التراب إلى منابت الشعور التي يجب إيصال الماء إليها في الوضوء على المذهب، ويجب إيصاله إلى ظاهر ما أيسر من اللحية على الأظهر كما في الوضوء، (يضرب ضربة أخرى بعد نزع الخاتم) من أصبعه وجوبا لئلا يحول بين الصعيد وبين داخل حلقة الخاتم، ولا يكفي تحريكه بخلاف الوضوء، ذكره صاحب العدة وغيره، وأما نزعه في الضربة الأولى فسنة كما في الشرح الكبير، (ويفرج الأصابع) على ما نص عليه الشافعي وقال الأكثرون في الضربة الأولى أيضا (ويمسح بهما يديه إلى مرفقيه) فيستوعب، هذا هو قدر الإجزاء في التيمم فهما ضربتان إحداهما للوجه والثانية لليدين إلى المرفقين، وهي الرواية المشهورة عن أبي حنيفة، وهو الجديد من مذهب الشافعي أن قدر الإجزاء مسح جميع الوجه ومسح اليدين إلى المرفقين بضربتين (فإن لم يستوعب بضربة واحدة جميع يديه ضرب) ضربة (أخرى بعد نزع الخاتم وتفريج الأصابع ويمسح بهما يديه إلى مرفقيه) قال الشيخ أبو إسحاق: والمذهب الأول يعني بضربتين، وهذا الذي ذكره المصنف هو القول القديم، وقد أنكر أبو حامد الإسفراييني القول القديم ولم يعرفه، وقال المنصوص هو هذا القول قديما وجديدا كمذهب أبي حنيفة، وقال مالك في إحدى الروايتين، وأحمد: قدره ضربة واحدة للوجه والكفين يكون بطرف أصابعه للوجه وبطون راحتيه لكفيه، قال الوزير ابن هبيرة في الإفصاح: وهو ألم بحال المسافر لضيق أثوابه التي يجد المشقة في إخراج ذراعيه من كميه غالبا، قال: وينبغي لمن يتيمم بضربتين أن يحول يديه في الضربة الثانية عن الموضع الذي كان ضرب عليه أولا إلى موقع آخر احترازا من أن يكون قد سقط في هذا المكان من التراب الذي استعمله شيء، وقال مالك في الرواية الأخرى كقول أبي حنيفة والشافعي في المشهور، هذا كله سياق ابن هبيرة، وقال الرافعي: ويجب استيعاب مسح اليدين إلى المرفق على مذهب، وقيل: قولان أظهرهما هذا والقديم مسحهما إلى الكوعين .

واعلم أنه تكرر لفظ الضربتين في الأخبار فجرت طائفة من الأصحاب على الظاهر فقالوا: لا يجوز النقص من الضربتين وتجوز الزيادة وإلا صح ما قاله الآخرون: إن الواجب إيصال التراب سواء حصل بضربة أو أكثر لكن يستحب أن لا يزيد على ضربتين ولا ينقص، وقيل: يستحب ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربتان لليدين وهو ضعيف، قال النووي الأصح وجوب الضربتين، نص عليه الشافعي وبه قطع العراقيون وجماعة الخراسانيين، والله أعلم .

(وكيفية التلطف فيه ذكرناه في كتاب الطهارة فلا نعيده) قال الرافعي: صورة الضرب ليست متعينة فلو وضع اليد على التراب الناعم وعلق بها غبار كفى، ويستحب أن يبدأ بأعلى الوجه، وأما اليدان فيضع أصابع اليسرى سوى الإبهام على ظهور أصابع اليمنى، فإذا بلغت الكوع ضم أطراف أصابعه على حرف الذراع ويمر بها على المرفق ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع فيمرها عليه وإبهامه مرفوعة فإذا بلغ مسح ببطن إبهام اليسرى ظهر إبهام اليمنى ثم يضع أصابع اليمنى على اليسرى ويمسحها كذلك، وهذه الكيفية ليست واجبة ولكنها مستحبة على المذهب، وقيل: غير مستحبة .




الخدمات العلمية