الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف .

التالي السابق


(وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف) وهو بضم الدال وفتحها لغتان مشهورتان ويعني به الدائر المفتوح أما المغلوق فيسمى مزهرا على ما حكي في كتب الفقهاء. قال بعض علماء الموسيقى: إنه آلة كاملة على سائر الملاهي وتفتقر إليه جميع آلات الطرب إذ به تعرف الضروب صحيحها وسقيمها، ومنه تكملت صورة الكرة الفلكية على الوضع الصحيح; لأنه بيكارى الصورة، وادعوا أنه مركب على العناصر الأربعة، قالوا: ولا تتبين الفقرات الخفاف والثقال إلا به، وهو الذي يوصل ويقطع، وكل ملهاة لا يحضرها الدف فهي ضعيفة القوة .

وأما حكم الضرب شرعا فقد اختلف العلماء فيه، فقال الحافظ محمد بن طاهر: إنه سنة وأطلق قوله فيه، وقيدت طائفة منهم بأنه سنة في العرس فقط، وزاد آخرون: والختان، وأنه يحرم في غيرهما، وأورده البغوي في التهذيب والشاشي في الحلية، وأبو إسحاق في المهذب، وبه قال صاحب البيان وابن أبي عصرون وابن درياس صاحب الاستقصاء وإيراد المحاملي في البحر يقتضيه، وكذلك الجرجاني في تحريره وسليم الرازي في المجرد، وإليه أشار صاحب الذخائر ونقله ابن حمدان في الرعاية الكبرى [ ص: 503 ] قولا في مذهب أحمد وطائفة إلى إباحته في العرس والختان وكراهته في غيرهما، وهذا ما أورده القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب زوائد المهذب وذهبت طائفة إلى إباحته في العرس واقتصروا على ذكره .

قال الحليمي في المنهاج ويحتمل أن يكون المعنى في تحريم الدف في العرس أنه آلة لا يراد بها إلا إشراب اللهو في القلب وإيراد الحموي في شرح الوسيط يقتضيه، وحكي عن فتاوى أبي الليث السمرقندي من الحنفية أن ضرب الدف في غير العرس مختلف بين العلماء، قال بعضهم: يكره وقال بعضهم: لا يكره وذهبت طائفة إلى الإباحة مطلقا، وعليه جرى إمام الحرمين والمصنف وحكاه العماد السهروردي عن بعض الأصحاب، وقال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ عن بعض أصحاب الشافعي أيضا أنه قال: صح حديث الأصحاب، وقال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ عن بعض أصحاب الشافعي أيضا أنه قال: إن صح حديث المرأة التي نذرت لم يكره في حال من الأحوال، وذهبت طائفة إلى إباحته في العرس والعيد وقدوم الغائب، وكل سرور حادث، وهذا ما اختاره المصنف في هذا الكتاب، والقرطبي المالكي في كشف القناع لما ذكر أحاديث تقتضي المنع قال: وقد جاءت أحاديث تقتضي الإباحة في النكاح وأوقات السرور، وتستثنى هذه المواضع من المنع المطلق، وحكاه ابن حمدان الحنبلي في الرعاية قولا عندهم فقال: وقيل: يباح في كل سرور حادث، وذهبت طائفة من الشافعية في العرس والختان، وفي غيرهما وجهان، وهذا ما حكاه مجلي في الذخائر وعليه درج الرافعي وصحح من الوجهين الجواز، وذهبت طائفة من الشافعية إلى إباحته في النكاح، وهل يعم البلدان والأزمان أو يختص بالبوادي والقرى التي لا يناكره أهلها، ويباح فيها ويكره في الأمصار، وفي زماننا فيه وجهان، وهذا ما اقتصر عليه الماوردي في الحاوي وتابعه الروياني حكاه عنه ولم يحك غيره، وكلام أبي الفضل الجاكرمي يقتضي التفرقة بين المداومة وغيرها كالغناء وفي كلام غيره وما يقتضيه .




الخدمات العلمية