الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما السمع فبأن تسمع كلامه متلذذا بسماعه ومصدقا به ومظهرا للاستبشار به ولا تقطع حديثهم عليهم بمرادة ولا منازعة ومداخلة واعتراض فإن أرهقك عارض اعتذرت إليهم وتحرس سمعك عن سماع ما يكرهون .

وأما اللسان فقد ذكرنا حقوقه ، فإن القول فيه يطول ، ومن ذلك أن لا يرفع صوته عليهم ولا يخاطبهم إلا بما يفقهون .

وأما اليدان فأن لا يقبضهما عن معاونتهم في كل ما يتعاطى باليد .

وأما الرجلان فأن يمشي بهما وراءهم مشي الأتباع لا مشي المتبوعين ولا يتقدمهم إلا بقدر ما يقدمونه ولا يقرب منهم إلا بقدر ما يقربونه ويقوم لهم إذا أقبلوا ولا يقعد إلا بقعودهم ويقعد متواضعا حيث يقعد .

ومهما تم الاتحاد خف حمله من هذه الحقوق مثل القيام والاعتذار والثناء فإنها من حقوق الصحبة ، وفي ضمنها نوع من الأجنبية والتكلف ، فإذا تم الاتحاد انطوى بساط التكلف بالكلية فلا يسلك به إلا مسلك نفسه ؛ لأن هذه الآداب الظاهرة عنوان آداب الباطن وصفاء القلب .

ومهما صفت القلوب استغنى عن تكلف إظهار ما فيها ، ومن كان نظره إلى صحبة الخلق فتارة يعوج وتارة يستقيم ومن كان نظره إلى الخالق لزم الاستقامة ظاهرا وباطنا وزين باطنه بالحب لله ولخلقه وزين ظاهره بالعبادة لله والخدمة لعباده ، فإنها أعلى أنواع الخدمة لله ؛ إذ لا وصول إليه إلا بحسن الخلق ويدرك العبد بحسن خلقه درجة القائم الصائم وزيادة .

التالي السابق


(وأما السمع فبأن تسمع كلامهم) مصغيا إليه (متلذذا بسماعه) كأنك لم تسمعه إلا في ذلك الوقت (ومصدقا به ومظهرا للاستبشار به) والفرح بسماعه (ولا تقطع حديثهم عليهم بمرادة) أصله. مراددة مفاعلة من الرد (ولا منازعة) فيما يقولونه (ولا مداخلة وإعراض) بأن يدخل في كلامهم كلام غيرهم فيكون كالجملة المعترضة أو يعرض عنهم (فإن أرهقك) أي: أعجلك (عارض اعتذرت إليهم) بحسن ترجية (و) أن (تحرس سمعك عن سماع ما يكرهون، وأما اللسان فقد ذكرنا حقوقه، فإن القول فيه يطول، ومن ذلك أن لا يرفع صوته عليهم) سواء في مذاكرة علم أو غيرها (ولا يخاطبهم إلا بما يفهمون) فلا يلقي عليهم ما يعسر فهمهم له (وأما اليدان فأن لا يقبضهما عن معونتهم) ونصرتهم (في كل ما يتعاطى باليد) ويتناول بها (وأما الرجلان فأن [ ص: 246 ] يمشي بهما وراءهم مشي الأتباع) والخدم (لا مشي المتبوعين) والمخدومين (ولا يبعد عنهم إلا بقدر ما يبعدونه ولا يقرب) منهم (إلا بقدر ما يقربونه ويقبل لهم إذا أقبلوا) عليه إكراما (ولا يقعد إلا بقعودهم) موافقة لهم (ويقعد حيث يقعد) أي: يقعدونه (متواضعا) متخشعا .

(ومهما تم الاتحاد خف جملة من هذه الحقوق مثل القيام والابتدار) وفي نسخة: الاعتذار (والثناء فإنهما من حقوق الصحبة، وفي ضمنها نوع من الأجنبية والتكلف، فإذا تم الاتحاد انطوى بساط التكلف بالكلية فلا يسلك به إلا مسلك نفسه؛ لأن هذه الآداب الظاهرة عنوان أدب الباطن) ويقال للظاهر عنوان الباطن (غير أن أدب الباطن في صفاء القلب) عن الكدورات والغير (ومهما صفت القلوب استغني عن تكلف إظهار ما فيها، ومن كان نظره إلا صحبة الخلق فتارة يعوج وتارة يستقيم) لعدم استقامته (ومن كان نظره إلى الخالق لزم الاستقامة ظاهرا وباطنا وزين باطنه بالحب لله) وفي نسخة: بما يحب الله من خلقه (وزين ظاهره بالعبادة لله والخدمة لله، فإنها أعلى أنواع الخدمة؛ إذ لا وصول إليها إلا بحسن الخلق و) قد (يدرك العبد بحسن خلقه درجة الصائم القائم وزيادة) وقد روى الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الصائم بالهواجر".




الخدمات العلمية