الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذا في الخلوة أنس بذكر الله واستكثار من معرفة الله وفي مثل ذلك قيل : .

وإني لأستغشى وما بي غشوة لعل خيالا منك يلقى خياليا وأخرج من بين الجلوس لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا ولذلك قال بعض الحكماء : إنما يستوحش الإنسان من نفسه لخلو ذاته عن الفضيلة فيكثر حينئذ ملاقاة الناس ويطرد الوحشة عن نفسه بالكون معهم فإذا كانت ذاته فاضلة طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة ويستخرج العلم والحكمة .

وقد قيل الاستئناس : من علامات الإفلاس فإذا هذه فائدة جزيلة ولكن في حق بعض الخواص ومن يتيسر له بدوام الذكر الأنس بالله أو بدوام الفكر التحقق في معرفة الله فالتجرد له أفضل من كل ما يتعلق بالمخالطة .

فإن غاية العبادات وثمرة المعاملات أن يموت الإنسان محبا لله عارفا بالله ولا محبة إلا بالأنس الحاصل بدوام الذكر ولا معرفة إلا بدوام الفكر .

وفراغ القلب شرط في كل واحد منهما ولا فراغ مع المخالطة .

التالي السابق


(فإذا في الخلوة أنس بذكر الله تعالى واستكثار من معرفة الله تعالى وفيه قيل: وإني لأستغشى وما بي غشوة) وفي بعض النسخ: وإني لأستغفى وما بي غفوة. وفي أخرى نعسة، والغشوة والغفوة والنعسة بمعنى واحد (لعل خيالا منك يلقى خياليا) أشار به إلى الوصال المعنوي (وأخرج من بين الجلاس) أي: الجماعة الجالسين (لعلني أحدث منك النفس بالسر خاليا) أشار به إلى المراقبة ومنها يتم المكالمة والمحادثة .

(ولذلك قال بعض الحكماء: إنما استوحش الإنسان من نفسه) وأنكرها (لخلو ذاته عن الفضيلة) والكمال (فيكثر حينئذ ملاقاة الناس) والاستئناس بهم (ويطرد الوحشة) بذلك (عن نفسه فإذا كانت ذاته فاضلة) كاملة (طلبت الوحدة) والانفراد وحبب إليها الخلاء (لتستعين بها على الفكرة وتستخرج العلم) النافع (والحكمة) الإلهية (وقد قيل: الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس) يقال: أفلس إذا قل ماله، وقال القشيري في الرسالة: سمعت أبا علي يقول: سمع الشبلي يقول: الإفلاس الإفلاس الإفلاس، فقيل له: يا أبا بكر، ما الإفلاس؟ قال: من علامات الإفلاس الاستئناس بالناس .

(فإذا هذه فائدة جزيلة ولكن في حق بعض الخواص) وهم أهل الله الذين كملهم الله بالمعارف الظاهرة وحلى باطنهم بالأنوار الباهرة (ومن يتيسر له بدوام الذكر) بأن لا يفتر عنه طرفة عين (الأنس بالله أو بدوام الفكر التحقق في معرفة الله) أو فيما يكون وسيلة إليها (فالتجرد له أفضل من كل ما يتعلق [ ص: 345 ] بالمخالطة) والمعاشرة (فإن غاية العبادات وثمرة المعاملات) أي: منتهى ما قابل السالك منها (أن يموت الإنسان محبا لله عارفا بالله) وإليه الإشارة في الخبر أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله (فلا محبة إلا بالأنس الحاصل بدوام الذكر) القلبي (ولا معرفة إلا بدوام الفكر) الروحي (وفراغ القلب) من خطور خيال السوي (شرط في كل واحد منهما) لا يتم إلا به (ولا فراغ مع مخالطة) إذ ليس في الجوف قلبان .




الخدمات العلمية