الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويدخل فيه الكتاب والحساب والوكلاء وكل من يحتاج إليه في ترتيب ديوان الخراج أعني العمال على الأموال الحلال لا على الحرام فإن هذا المال للمصالح .

والمصلحة إما أن تتعلق بالدين أو بالدنيا فبالعلماء حراسة الدين وبالأجناد حراسة الدنيا والدين والملك توأمان ، فلا يستغني أحدهما عن الآخر .

والطبيب وإن كان لا يرتبط بعلمه أمر ديني ، ولكن يرتبط به صحة الجسد والدين يتبعه فيجوز أن يكون له ولمن يجري مجراه في العلوم المحتاج إليها في مصلحة الأبدان أو مصلحة البلاد إدرار من هذه الأموال ليتفرغوا لمعالجة المسلمين أعني من يعالج منهم بغير أجرة وليس يشترط في هؤلاء الحاجة بل يجوز أن يعطوا مع من الغنى .

فإن الخلفاء الراشدين كانوا يعطون المهاجرين والأنصار ولم يعرفوا بالحاجة .

وليس يتقدر أيضا بمقدار بل هو إلى اجتهاد الإمام وله أن يوسع ويغني وله أن يقتصر على الكفاية على ما يقتضيه الحال وسعة المال .

فقد أخذ الحسن عليه السلام من معاوية في دفعة واحدة أربعمائة ألف درهم .

وقد كان عمر رضي الله عنه يعطي لجماعة اثني عشر ألف درهم نقرة في السنة .

وأثبتت عائشة رضي الله عنها في هذه الجريدة ولجماعة عشرة آلاف ، ولجماعة ستة آلاف ، وهكذا .

فهذا مال هؤلاء فيوزع عليهم حتى لا يبقى منه شيء .

التالي السابق


(ويدخل فيه الكتاب والحساب) من أرباب الدواوين (والوكلاء) والأمناء، ( وكل من يحتاج إليه في ترتيب ديوان الخراج أعني العمال على الأموال الحلال لا الحرام ) ، يخرج بذلك المكاسون ومن يشابههم، (فإن هذا المال) مرصد (للمصالح، والمصلحة إما أن تتعلق بالدين أو بالدنيا وبالعلماء حراسة) أمور (الدين) عن تطرق الفساد إليها (وبالأجناد حراسة الدنيا) من تطرق الفساد إلى نظامها، (والدين والملك توأمان، فلا يستغني أحدهما عن الآخر) ، ولولا الملك لما انتظم حال العلماء، (والطبيب) أيضا، (وإن كان لا يرتبط بعلمه أمر دنيوي، ولكن يرتبط به صحة الجسد) ، وحفظه عن تطرق الخلل إليه، (والدين يتبعه) لتوقف أموره عليه، (فيجوز أن يكون له ولمن يجري مجراه في العلوم المحتاج إليها في مصلحة الأبدان أو مصلحة البلاد إدرار) ووظيفة (من هذه الأموال ليتفرغوا لمعالجة المسلمين) عند طرو العوارض الخارجية على البدن، (أعني من يعالج منهم بغير أجرة) ، بل احتسابا، ومتى أخذ الأجرة والعوض سقطه حقه من هذا المال، (وليس يشترط في هؤلاء الحاجة) ، ولا ينظر إليها، (بل يجوز أن يعطوا مع الغنى) والموجدة، (فإن الخلفاء الراشدين) رضي الله عنهم (كانوا يعطون المهاجرين والأنصار) بالآلاف، (ولم يعرفوا بالحاجة) ، بل كانوا في غنى، (وليس يتقدر أيضا بمقدار) معلوم، (بل هو إلى اجتهاد الإمام) ، أي: موكل إليه، (وله أن يوسع) بالعطاء (ويقتر) أي: يضيق، (وله أن يقتصر على الكفاية) أي: قدر يكفيه (على ما يقتضيه الحال وسعة المال) ، فإن كان المال كثيرا وسع في عطائه، (فقد أخذ) أمير المؤمنين أبو محمد (الحسن) بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (من معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنه (في دفعة [ ص: 121 ] واحدة أربعمائة ألف درهم) كما تقدم، (وقد كان عمر رضي الله عنه يعطي لجماعة اثني عشر ألف درهم نقرة في السنة) ، والنقرة القطعة المذابة من الفضة، وإنما قيده بها ليخرج بها دراهم النحاس، وكل رطل ونصف من النحاس بدرهم نقرة، وأول من رسم بضرب فلوس جدد على قدر الدينار ووزنه السلطان حسن بن قلاوون ثم تغير ذلك، فصار كل ثلثي رطل من الفلوس النحاس بدرهم نقرة، وعلى هذا قرر أمراء مصر كشيخو ومرغتش لمدرستهما بمصر ، كذا في تاريخ الخلفاء للسيوطي .

(وأثبتت عائشة رضي الله عنها في هذه الجريدة) ، فكانت تأخذ هذا القدر من العطاء في كل سنة، (و) أعطى (لجماعة) آخرين لكل واحد (عشرة آلاف، ولجماعة) آخرين (ستة آلاف، وهكذا) على اختلاف مراتبهم وطبقاتهم، كما سيأتي قريبا، واعلم أن الذي يدخل بيت المال أنواع أربعة :

أحدها: هذا الذي ذكر مع صرفه .

والثاني الزكاة والعشر، ومصرفها سبعة أصناف، وقد ذكر في كتاب الزكاة .

والثالث خمس الغنائم والمعادن، والركاز، ومصرفه ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز في قوله: فأن لله خمسه وللرسول الآية .

والرابع: اللقطات والتركات التي لا وارث لها، وديات مقتول لا ولي له، ومصرفها اللقيط الفقير والفقراء الذين لا أولياء لهم يعطون منه نفقتهم، وتكفى به مؤنتهم وتعقل به جنايتهم، وعلى الإمام أن يجعل لكل نوع من هذه الأنواع شيئا يخصه، ولا يخلط بعضه ببعض; لأن لكل نوع حكما يختص به، فإن لم يكن في بعضها شيء، فللإمام أن يستقرض عليه من النوع الآخر ويصرفه إلى أهل ذلك، ثم إذا حصل من ذلك النوع شيء رده في المستقرض منه، إلا أن يكون المصروف من الصدقات أو من خمس الغنيمة على أهل الخراج، وهم فقراء، فإنه لا يرد فيه شيئا; لأنهم مستحقون للصدقات بالفقر، وكذا في غيره إلى صرفه إلى المستحق، (فهذا مال هؤلاء موزع عليهم) ومقسوم بينهم (حتى لا يبقى فيه شيء) ، واختلفوا فيما فضل من الفيء بعد المصالح ما يصنع به ، فقال أبو حنيفة والشافعي : لا يجوز صرف فاضله إلا إلى المصالح أيضا، وقال مالك وأحمد : يشترك فيه الغني والفقير .




الخدمات العلمية