الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال يوسف بن أسباط سمعت سفيان الثوري يقول : والله الذي لا إله إلا هو لقد حلت العزلة وقال بشر بن عبد الله أقل من معرفة الناس؛ فإنك لا تدري ما يكون يوم القيامة فإن تكن فضيحة كان من يعرفك قليلا .

ودخل بعض الأمراء على حاتم الأصم فقال له .

ألك حاجة قال : نعم ، قال وما : هي ? قال أن : لا تراني ولا أراك ولا تعرفني .

وقال رجل لسهل أريد أن أصحبك فقال : إذا مات أحدنا فمن يصحب الآخر؟ قال: الله، قال: فليصحبه الآن .

وقيل للفضيل إن عليا ابنك يقول : لوددت أني في مكان أرى الناس ولا يروني ، فبكى الفضيل وقال : يا ويح علي أفلا أتمها ? فقال : لا أراهم ولا يروني وقال الفضيل أيضا من سخافة عقل الرجل كثرة معارفه .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما أفضل المجالس مجلس في قعر بيتك لا ترى ولا ترى .

فهذه أقاويل المائلين إلى العزلة .

التالي السابق


(وقال يوسف بن أسباط) الشيباني -رحمه الله تعالى- (سمعت سفيان الثوري يقول: والله الذي لا إله إلا هو حلت العزلة) أخرجه أبو نعيم في الحلية فقال: وحدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا أحمد بن روح، حدثنا أحمد بن عتيق، سمعت يوسف بن أسباط يقول: كنت مع سفيان الثوري في المسجد الحرام فقال: والله الذي لا إله إلا هو، ورب هذه الكعبة لقد حلت العزلة (وقال بشر بن عبد الله) بن يسار السلمي الجمعي، تابعي صدوق كان من حرس عمر بن عبد العزيز، روى عن عبد الله بن بسر المازني وطارق، وعنه بقية وأبو المغيرة وجماعة، روى له أبو داود (أقل من معرفة الناس؛ فإنك لا تدري ما يكون يوم القيامة فإن تكن فضيحة كان من يعرفك قليلا) أورده صاحب القوت بمعناه فقال: منهم من كان يقول أقلل من المعارف؛ فإنه أسلم لدينك وأقل غدا لفضيحتك وأخف لسقوط الحق عنك .

(ودخل بعض الأمراء على حاتم) بن علوان (الأصم) رحمه الله تعالى (فقال) الأمير: (ألك حاجة) نقضيها (قال: نعم، قال: ما هي؟ قال: لا تراني ولا أراك) أشار بذلك إلى [ ص: 334 ] أن الاعتزال عنهم أسلم للدين .

(وقال رجل لسهل) بن عبد الله التستري -رحمه الله تعالى- (أريد أن أصحبك فقال: إذا مات أحدنا فمن يصحبه إلى الآخرة فليصحبه الآن) بأن يعلق همته به ولا ينافي ذلك صحبة من يتأدب بآدابه، وهذا مقام الإحسان، ذكره أبو القاسم القشيري في الرسالة ولفظه: سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: قال رجل لسهل بن عبد الله: أريد أن أصحبك يا أبا أحمد، فقال: إذا مات أحدنا فمن يصحبه الباقي؟ فقال: الله، قال: فليصحبه الآن. اهـ. وفيه صحة إطلاق الصحبة على الله ويؤيده خبر: اللهم أنت الصاحب في السفر .

(وقيل للفضيل) بن عياض -رحمه الله تعالى- (إن عليا ابنك يقول: لوددت أني في مكان أرى الناس ولا يروني، فبكى الفضيل وقال: يا ويح علي) فيما قاله (أفلا أتمها؟ فقال: لا أراهم ولا يروني) أخرجه صاحب الحلية، أشار بذلك إلى أن المقام الثاني أفضل وأعلى درجة؛ إذ في رؤيته للناس شغل كبير عن الله تعالى (وقال الفضيل) - رحمه الله- أيضا (من سخافة عقل الرجل) أي: من رقته (كثرة معارفه) أخرجه صاحب الحلية؛ وذلك لأن كثرتهم توجب عليه حقوقا ولحاله مع الله تشتيتا .

(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما: (أفضل المجالس مجلس في قعر بيتك) أي: داخله (لا ترى) أحدا (ولا ترى) أنت لأحد .




الخدمات العلمية