الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأنواع الرشوة كلها حرام .

فإذا كتب لفقيه أو غيره إدرار أو صلة أو خلعة على جهة ، فلا يخلو من أحوال ثمانية ; فإنه إما أن يكتب له ذلك على الجزية أو على المواريث أو على الأوقاف ، أو على ملك أحياه السلطان ، أو على ملك اشتراه ، أو على عامل خراج المسلمين ، أو على بياع من جملة التجار ، أو على الخزانة .

فالأول هو الجزية وأربعة أخماسها للمصالح وخمسها لجهات معينة .

فما يكتب على الخمس من تلك الجهات أو على الأخماس الأربعة لما فيه مصلحة وروعي فيه الاحتياط في القدر ، فهو حلال بشرط أن لا تكون الجزية إلا مضروبة على وجه شرعي ليس فيها زيادة على دينار أو على أربعة دنانير ، فإنه أيضا في محل الاجتهاد ، وللسلطان أن يفعل ما هو في محل الاجتهاد وبشرط أن يكون الذمي الذي تؤخذ الجزية منه مكتسبا من وجه لا يعلم تحريمه ، فلا يكون عامل سلطان ظالما ولا بياع خمر ولا صبيا ولا امرأة ، إذ لا جزية عليهما .

فهذه أمور تراعى في كيفية ضرب الجزية ومقدارها وصفة من تصرف إليه ، ومقدار ما يصرف فيجب النظر في جميع ذلك .

التالي السابق


(وأنواع الرشوة) ، كما سيأتي بيانها (كلها حرام، فإذا كتب لفقيه أو غيره إدرار أو صلة أو جعلة) ، وفي نسخة: خلعة (على جهة، فلا يخلو من أحوال ثمانية; فإنه إما أن يكتب على الجزية أو على المواريث أو على الأوقاف، أو على موات أحياه السلطان، أو على ملك اشتراه، أو على عامل خراج المسلمين، أو على بياع من جملة التجار، أو على الخزانة) الشريفة، (فالأول هو الجزية) المضروبة على أهل كتاب كاليهود والنصارى، أو شبه كتاب كالمجوس ومن لا كتاب له ولا شبه كتاب كعبدة الأوثان من العرب والعجم، ففيه اختلاف بين الأئمة ليس هذا محل ذكره، (وأربعة أخماسها للمصالح) كسد الثغور وبناء القناطر والجسور، وكفاية القضاة والعلماء والمقاتلة، ووزرائهم; لأنه مأخوذ بقوة المسلمين فيصرف إلى مصالحهم، وهؤلاء عملة المسلمين قد حبسوا أنفسهم لمصالح المسلمين، فكان الصرف إليهم تقوية للمسلمين، (وخمسها لجهات معينة) ذكرت في كتاب الزكاة، (فما يكتب على الخمس من تلك الجهات أو على الأخماس الأربعة لما فيه مصلحة) للمسلمين، (وروعي فيه الاحتياط في القدر، فهو حلال) ، وقال أبو حنيفة : لا خمس في ذلك; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخمس الجزية، ولأنه مال أخذ بقوة المسلمين بلا قتال، بخلاف الغنيمة; لأنها مأخوذة بالقهر والقتال، فشرع الخمس فيها لا يدل على شرعه في الآخر (بشرط أن لا تكون الجزية مضروبة إلا على وجه شرعي ليس فيها زيادة على دينار أو على أربعة دنانير، فإنه أيضا في محل الاجتهاد، وللسلطان أن يفعل ما هو في محل الاجتهاد) ، اعلم أن الجزية إذا وضعت بتراض لا يعدل عنها; لأنها تتقرر بحسب ما يقع عليه الاتفاق، وإذا لم توضع بالتراضي بل بالقهر بأن غلب الإمام على الكفار، وأقرهم على أملاكهم، فاختلف في تقديرها ، فقال أبو حنيفة وأحمد في أظهر روايتيه هي مقدرة الأقل والأكثر، فعلى الفقير المعتمل كل سنة اثنا عشر درهما، وعلى المتوسط أربعة وعشرون درهما، وعلى الغني ثمانية وأربعون درهما، وقال مالك في المشهور عنه: يقدر على الغني والفقير جميعا أربعة دنانير وأربعون درهما لا فرق بينهما، وقال الشافعي : الواجب دينار يستوي فيه الغني والفقير والمتوسط، وعن أحمد رواية ثانية أنها موكولة إلى رأي الإمام، وليست بمقدرة، وعنه رواية ثالثة يتقدر الأقل منها دون الأكثر، وعنه رواية رابعة أنها في أهل اليمن خاصة مقدرة بدينار دون غيرهم اتباعا للخير الوارد فيهم، وما نقل عن أبي حنيفة نقل عن عمر وعثمان وعلي ، والصحابة متوافرون ولم ينكر عليهم أحد منهم فصار إجماعا .

ودليل الشافعي ما رواه في مسنده عن عمر بن عبد العزيز أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن أن على كل إنسان منكم دينارا كل سنة أو قيمته من المعافر ، والجواب عنه أنه كان ذلك بالصلح; لأن الإمام له أن يضع قهرا إلا على الرجال، وكذا يقال فيما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ : خذ من كل حالم وحالمة دينارا ، ثم إن الغني هو صاحب المال الذي لا يحتاج إلى العمل، ولا يمكن أن يقدر بشيء في المال بتقدير، فإن ذلك يختلف باختلاف البلدان، والأعصار، والمتوسط من له مال لكنه لا يستغني بماله عن الكسب، والفقير المعتمل هو الذي يكسب أكثر من حاجته، واختلفوا في الفقير من أهل الجزية إذا لم يكن معتملا، ولا شيء له، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : لا يؤخذ منهم شيء، وعن الشافعي في عقد الجزية على من لا كسب له، ولا يتمكن من الأداء قولان: أحدهما يخرج من بلاد الإسلام، والثاني: أنه يقر ولا يخرج، فعلى هذا القول الثاني ما يكون حكمه فيه عنه ثلاثة أقوال; أحدها كقول الجماعة، والثاني: أنها تجب عليه وتحقن دمه بضمانها ويطالب بها عند اليسار، والثالث: إذا جاء آخر الحول ولم يبذلها لحق بدار الحرب، (وبشرط أن يكون الذمي الذي يؤخذ منه مكتسبا من وجه لا يعلم تحريمه، فلا يكون عامل سلطان ظالم ولا بياع خمر) ; إذ حرمة مالهما محققة، (ولا) يكون (صبيا ولا امرأة، إذ لا جزية عليها) إلا أن بلغ الصبي، ولا عبدا ولا مكاتبا مجنونا حتى يفيق، ولا ضريرا ولا زمنا ولا شيخا فانيا ولا راهبا لا يخالط [ ص: 111 ] فهؤلاء كلهم لا جزية عليهم بالاتفاق إلا أنهم اختلفوا في نساء بني تغلب وصبيانهم خاصة، هل يؤخذ منهم ما يؤخذ من رجالهم أم لا، ولو أدرك الصبي أو أفاق المجنون أو عتق العبد، أو برئ المريض قبل وضع الإمام الجزية وضع عليهم، وبعد وضع الجزية لا توضع عليهم; لأن المعتبر أهليتهم وقت الوضع إذ الإمام يخرج في تعرف حالهم فيضع على من هو أهل في ذلك الوقت وإلا فلا، بخلاف الفقير إذا أيسر بعد الوضع حيث يوضع عليه; لأنه أهل للجزية، وإنما سقط عنه لعجزه، وقد زال كذا في الاختيار على المختار لأصحابنا. (فهذه أمور تراعى في كيفية ضرب الجزية ومقدارها وصفة من يصرف إليه، ومقدار ما يصرف فيجب النظر في جميع ذلك) مع معرفة اختلاف الفقهاء فيه .




الخدمات العلمية