الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو جاز مثل هذا الورع لكان من الورع أن يمتنع الإنسان من أن يأخذ ميراث الجد أبي الأب ، ويقول : ليس في كتاب الله ذكر إلا للبنين وإلحاق ابن الابن بالابن بإجماع الصحابة وهم غير معصومين ، والغلط عليهم جائز إذا خالف ، النظام فيه ، وهذا هوس ويتداعى إلى أن يترك ما علم بعمومات القرآن إذ من المتكلمين من ذهب إلى أن العمومات لا صيغ لها ، وإنما يحتج بما فهمه الصحابة منها بالقرائن والدلالات وكل ذلك وسواس .

فإذن ، لا طرف من أطراف الشبهات إلا وفيها غلو وإسراف فليفهم ذلك .

ومهما أشكل أمر من هذه الأمور فليستفت فيه القلب وليدع الورع ما يريبه إلى ما لا يريبه وليترك حزاز القلوب وحكاكات الصدور وذلك يختلف بالأشخاص والوقائع ولكن ينبغي أن يحفظ قلبه عن دواعي الوسواس حتى لا يحكم إلا بالحق فلا ينطوي على حزازة في مظان الوسواس ولا يخلو عن الحزازة في مظان الكراهة ، وما أعز مثل هذا القلب ولذلك لم يرد عليه السلام كل أحد إلى فتوى القلب ، وإنما قال ذلك لوابصة لما كان قد عرف من حاله .

التالي السابق


وكلام المصنف هنا تبعا للإمام يقتضي أن النظام يسلم إمكان الإجماع، وإنما يخالف في حجته، والمذكور في الأوسط لابن هارون ومختصر ابن الحاجب وغيرهما، أنه يقول باستحالته. (ولو جاز مثل هذا الورع لكان من الورع أن يمتنع الإنسان من أن يأخذ ميراث الجد أبي الأب، ويقول: ليس في كتاب الله تعالى ذكر إلا للبنين) فقط، (وإلحاق ابن الابن) بالابن من ( إجماع الصحابة ) رضوان الله عليهم، (وهم غير معصومين، والغلط فيهم جائز، وخالف النظام فيه، وهذا هوس) وتخبيط، (ويتداعى إلى أن يترك ما علم) من الأحكام (بعمومات القرآن إذ من المتكلمين من ذهب إلى أن العمومات لا صيغة لها، وإنما يحتج بما فهمه الصحابة) رضوان الله عليهم (منها) أي: من تلك العمومات (بالقرائن) المحتفة، (والدلالات) المعينة، اعلم أن العموم لغة إحاطة الأفراد دفعة، وعرفا ما يقع من الاشتراك في الصفات، والعام لفظ يستغرق جميع ما يصلح له بوضع واحد، والعموم إما لغة بنفسه كأي للكل، ومن للعالمين وما لغيرهم، وأين للمكان، ومتى للزمان أو بقرينة في الإثبات كالجمع المحلى بالألف واللام والمضاف، وكذا اسم الجنس، أو بقرينة في المنفي كالنكرة في سياقه، أو عرفا مثل: حرمت عليكم أمهاتكم ، فإنه يوجب حرمة جميع الاستمتاعات أو حكما كترتب الحكم على الوصف، وأما استدلال الصحابة بعموم هذه الصيغ استدلالا شائعا من غير نكير، فكان إجماعا بيانه أنهم قد استدلوا بعموم اسم الجنس المحلى بـ " ال "، كقوله تعالى: الزانية والزاني ، وبعموم الجمع المضاف، فإن فاطمة رضي الله عنها احتجت على أبي بكر رضي الله عنه في توريثها من النبي صلى الله عليه وسلم الأرض المعروفة، وهي فدك والعوالي بقوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم ، واستدل أيضا أبو بكر بعمومه، فإنه رد على فاطمة بقوله صلى الله عليه وسلم: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة" ، واستدل عمر بعموم الجمع المحلى، فإنه قال لأبي بكر حين عزم على قتال مانعي الزكاة: كيف تقاتلهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله؟ فقال أبو بكر : أليس إنه قد قال: إلا بحقها" ، وتمسك أيضا أبو بكر به، فإن الأنصار لما قالوا: منا أمير ومنكم أمير رد عليهم أبو بكر بقوله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش" ، رواه النسائي ، (وكل ذلك وسواس، فإذا لا طرف [ ص: 75 ] من أطراف الشبهات إلا وفيه غلو) تجاوز عن الحد (وإسراف فليفهم ذلك) ولينتبه له. (ومهما أشكل) والتبس (أمر من هذه الأمور فليستفت فيه القلب) أي: يتوجه إليه، ويسأله (فليأخذ بالورع) والاحتياط (فيما يريبه) أي: يوقعه في الريب (إلى ما لا يريبه) ، لقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ، (وليترك حزاز القلوب) أي: ما يحز القلب، (وحكاكات الصدور) أي: ما يحك في الصدور، وفي بعض النسخ: وحياكات الصدور، وكل منهما وارد صحيح، (وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والوقائع) ، فما كل شخص يحك في صدره، ولا كل واقعة يعتبر فيها حزازة القلب، (ولكن ينبغي أن يحفظ) السالك (قلبه من دواعي الوسواس) وخطور الخطرات النفسية، (حتى لا يحكم إلا بالحق) الصريح المطابق لما في نفس الأمر عند الله تعالى، (فلا ينطوي إلا على حزازة في مظان الوسواس) وخطرات الخناس، (ولا يخلو عن الحزازة في مظان الكراهة، وما أعز هذا القلب) في القلوب، وهذا القلب أعز من الذهب في سائر المعادن، وهو القلب الذي رد إليه صلى الله عليه وسلم في الحكم لما سئل عن البر والإثم، فقال: "البر ما اطمأن إليه القلب، والإثم حزاز القلوب، قال: الإثم ما حاك في صدرك" ، (ولذلك لم يرد عليه) الصلاة و (السلام كل أحد إلى فتوى القلب، وإنما قال ذلك) وهو قوله استفت قلبك ( لوابصة ) رضي الله عنه، (لما كان قد عرف من حاله) قلت: هو وابصة بن معبد بن مالك الأسدي أبو سالم ، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع، روى عنه صلى الله عليه وسلم وعن ابن مسعود ، وعنه يروي ولداه; سالم وعمر ، وزر بن حبيش وآخرون، نزل بالجزيرة، وخبره بالرقة ، قال العراقي : تقدم حديث وابصة .

وروى الطبراني من حديث واثلة أنه قال ذلك لواثلة أيضا، وفيه العلاء بن ثعلبة مجهول، اهـ .

قلت: روى ذلك من طريق أيوب بن عبد الله بن مكرز عن ابن وابصة عن أبيه، وفي الباب عن النواس بن سمعان .




الخدمات العلمية