الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
لقد احتج من جوز أخذ أموال السلاطين إذا كان فيها حرام وحلال مهما لم يتحقق أن عين المأخوذ حرام بما روي عن جماعة من الصحابة أنهم أدركوا أيام الأئمة الظلمة وأخذوا الأموال منهم أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وجرير بن عبد الله وجابر وأنس بن مالك والمسور بن مخرمة .

فأخذ أبو سعيد وأبو هريرة من مروان ويزيد بن عبد الملك .

وأخذ ابن عمر وابن عباس من الحجاج .

وأخذ كثير من التابعين منهم كالشعبي وإبراهيم والحسن وابن أبي ليلى .

وأخذ الشافعي من هارون الرشيد ألف دينار في دفعة .

وأخذ مالك من الخلفاء أموالا جمة وقال علي رضي الله عنه خذ ما يعطيك السلطان فإنما ، يعطيك من الحلال وما يأخذ من الحلال أكثر .

وإنما ترك من ترك العطاء منهم تورعا مخافة على دينه أن يحمل على مالا يحل .

ألا ترى قول أبي ذر للأحنف بن قيس خذ العطاء ما كان نحلة فإذا ، كان أثمان دينكم فدعوه وقال أبو هريرة رضي الله عنه إذا أعطينا قبلنا ، وإذا منعنا لم نسأل .

وعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه كان إذا أعطاه معاوية سكت ، وإن منعه وقع فيه .

وعن الشعبي عن مسروق لا يزال العطاء بأهل العطاء حتى يدخلهم النار أي يحمله ذلك على الحرام لا أنه ; في نفسه حرام وروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن المختار كان يبعث إليه المال فيقبله ، ثم يقول : لا أسأل أحدا ولا أرد ما رزقني الله .

وأهدى إليه ناقة فقبلها وكان ، يقال لها ناقة المختار ، ولكن هذا يعارضه ما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يرد هدية أحد إلا هدية المختار ، والإسناد في رده أثبت .

وعن نافع أنه قال : بعث ابن معمر إلى ابن عمر بستين ألفا فقسمها على الناس ثم جاءه سائل فاستقرض له من بعض من أعطاه وأعطى السائل .

ولما قدم الحسن بن علي رضي الله عنهما على معاوية رضي الله عنه فقال : لأجيزك بجائزة لم أجزها أحدا قبلك من العرب ، ولا أجيزها أحدا بعدك من العرب ، قال فأعطاه أربعمائة ألف درهم فأخذها .

التالي السابق


(ولقد احتج من جوز أخذ مال السلاطين إذا كان فيه حرام وحلال مهما لم يتحقق أن عين المأخوذ حرام بما روي عن جماعة من الصحابة أنهم أدركوا أيام الأئمة الظلمة) الجائرين (منهم أبو هريرة ) ، قال هشام بن عروة وغير واحد: مات سنة سبع وخمسين، زاد هشام هو وعائشة ، وقال الهيثم بن عدي وغيره: مات سنة ثمان وخمسين، وقال الواقدي وغيره: مات سنة تسع وخمسين، قال الواقدي : وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وهو صلى على عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين، وعلى أم سلمة في شوال سنة تسع وخمسين، وكان الوالي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، فركب إلى الغابة، وأمر أبا هريرة يصلي بالناس، فصلى على أم سلمة في شوال ثم توفي بعد ذلك في هذه السنة .

(وأبو سعيد الخدري) سعد بن مالك من نجباء الصحابة وفضلائهم مات سنة أربع وسبعين بالمدينة، (وزيد بن ثابت) بن الضحاك الخياري الأنصاري مات سنة ثمان وأربعين عن سبع وخمسين، وقيل: سنة إحدى، وقيل: خمس وخمسين، وقيل: غير ذلك .

(وأبو أيوب) خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي مات ببلاد الروم غازيا في خلافة معاوية ، وقبره في أصل سور القسطنطينية سنة خمسين، وقيل: إحدى، وقيل: اثنتين، وقيل: خمس وخمسين. (وجرير بن عبد الله) البجلي مات سنة إحدى أو أربع أو ست وخمسين، (وجابر) بن عبد الله الأنصاري مات سنة ثمان وستين وقيل: سنة اثنتين، وقيل: ثلاث، وقيل: سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وسبعين عن أربع وتسعين .

قال البخاري : وصلى عليه الحجاج ، وقال أبو نعيم : صلى عليه أبان بن عثمان .

(وأنس) بن مالك الأنصاري مات هو وجابر بن زيد أبو الشعثاء في جمعة واحدة سنة ثلاث ومائة، وقيل: أربع ومائة عن مائة وثلاث سنين، وقيل: عن مائة وسبع أو ست أو سبع، وقال عبد العزيز بن زياد : عن ست وتسعين، وقال الواقدي : عن تسع وتسعين، أو عن تسعين، أو عن إحدى أو اثنين أو ثلاث وتسعين .

(والمسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري مات بمكة سنة أربع وستين عن ثلاث وستين وقيل: سنة ثلاث وسبعين، والأول أصح رضي الله عنهم أجمعين، (فأخذ أبو سعيد وأبو هريرة ) رضي الله عنهما (من مروان) بن الحكم بن العاصي بن أمية الأموي، وهو رابع ملوك بني أمية، بويع له بعد معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة أربع وستين .

(ويزيد) بن معاوية بن أبي سفيان وهو ثانيهم هلك سنة ست وأربعين في بعض النسخ على الحاشية: يزيد بن عبد الملك ، وهو لا يصح; لأن يزيد هذا بويع له بعد موت عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة، ولم يعش أبو سعيد وأبو هريرة إلى [ ص: 113 ] هذا الوقت (ومن عبد الملك) بن مروان بويع له بالشام سنة خمس وستين وبقي إلى سنة ثمانين، ومدة ولايته إحدى وعشرون سنة، وعمره ثلاث وستون سنة، وفي لقي أبي هريرة له في خلافته أشكال; لأن آخر الأقوال في وفاة أبي هريرة سنة تسع وخمسين، فهو إذا لم يحصل خلافة عبد الملك ، (وأخذ ابن عمر وابن عباس من الحجاج ) ، أما عبد الله بن عمر فإنه مات سنة ثلاث وسبعين، قاله الزبير بن بكار ، وقال الواقدي : سنة أربع وسبعين، وهذا أثبت فإن رافع بن خديج مات سنة أربع وابن عمر حي وحضر جنازته، وأما ابن عباس فإنه مات سنة ثمان وستين عن اثنتين وسبعين سنة، وقيل: مات سنة تسع وستين، وقيل: سنة سبعين، وأما الحجاج بن يوسف الثقفي فإنه كان عاملا من طرف عبد الملك ، وكان محاصرته لابن الزبير بمكة أواخر اثنين وسبعين، (وأخذ كثير من التابعين منهم) عامر بن شراحيل، (الشعبي وإبراهيم) بن يزيد النخعي، (والحسن) بن يسار البصري، (وابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، والكوفي القاضي، (وأخذ الشافعي ) رحمه الله تعالى (من هارون الرشيد) بن محمد بن أبي جعفر العباسي خامس خلفاء بني العباس بويع له سنة سبعين ومائة، ومات سنة ثلاث وتسعين ومائة عن أربع وأربعين سنة وأشهر، (ألف دينار في دفعة واحدة) ، ففرقها، (وأخذ مالك) بن أنس رحمه الله تعالى ورضي عنه (من الخلفاء أموالا جمة) كالسفاح والمنصور والمهدي، (وقال علي رضي الله عنه) فيما روي عنه (خذ ما أعطاك السلطان، فإن ما يعطيك من الحلال وما تأخذ من الحلال أكثر) ، وهذا قد تقدم قريبا، (وإنما ترك من ترك العطاء منهم تورعا مخافة على دينه أن يحمل) أخذه ذلك (على ما لا يحل ألا ترى إلى قول أبي ذر) جندب بن جنادة رضي الله عنه (للأحنف بن قيس) بن معاوية بن حصين التميمي أبو بحر البصري، والأحنف لقب واسمه الضحاك، وقيل: صخر ، تابعي ثقة، سيد قومه، مات سنة سبع وستين بالكوفة ، (خذوا العطاء ما دام نحلة، فإن كان أثمان دينكم فدعوه) ، أي: اتركوه .

(وقال أبو هريرة ) رضي الله عنه فيما روي عنه: (إذا أعطينا) ، أي: من غير سؤال، (قبلنا، وإذا منعنا لم نسأل) ، وهو مصداق الخبر المشهور: "إذا أوتيت من غير سؤال فخذه وتموله" . (وعن سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي التابعي (عن أبي هريرة ) رضي الله عنه أنه (كان إذا أعطاه معاوية) بن أبي سفيان أول خلفاء بني أمية (سكت، وإن منعه وقع فيه) أي: تكلم وعاتب على تأخير عطائه، (وعن) عامر بن شراحيل (الشعبي) التابعي، (عن ابن مسروق ) ، وفي بعض النسخ: أبي مسروق ، وكلاهما لم أعرفه ولعله عن مسروق ، وقد وجد كذلك في بعض النسخ، وهو ابن الأجدع الهمداني الكوفي التابعي ثقة فقيه عابد مخضرم، وهو الذي يروي عنه الشعبي (لا يزال العطاء بأهل العطاء حتى يدخلهم النار أو يحملهم ذلك على) ارتكاب (الحرام; لأنه في نفسه حرام وروى نافع) مولى ابن عمر، ثقة كثير الحديث، مات سنة ست عشرة ومائة (عن ابن عمر ) هو مولاه عبد الله (أن المختار) بن أبي عبيد الثقفي يكنى أبا إسحاق، ولم يكن المختار ولد عام الهجرة، وليست له صحبة ولا رؤية، وأخباره غير مرضية، وأبوه من جملة الصحابة، وكان طلب الإمارة لنفسه وغلب على الكوفة حتى قتله مصعب بن الزبير سنة سبع وستين، (كان يبعث إليه المال فيقبله، ثم يقول: لا أسأل أحدا) ، أي: ابتداء (ولا أرد ما رزقني الله تعالى، وأهدى إليه ناقة فقبلها، فكان يقال لها ناقة المختار، ولكن هذا يعارضه ما روي أن ابن عمر ما رد هدية أحد إلا هدية المختار، والإسناد في رده أثبت) ، والذي في الإصابة نقلا عن ابن الأثير ما نصه: "وكان يعني المختار ، يرسل المال إلى ابن عمر وهو صهره وزوج أخته صفية بنت أبي عبيد ، وإلى ابن عباس ، وإلى ابن الحنفية فيقبلون اهـ، ويحتمل أنه إن ثبت الرد منه فيكون في الأواخر لما كثر جوره وتعديه وساءت سيرته، (و) يروى (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: بعث) عمر بن عبيد الله (بن معمر) التيمي القرشي (إلى ابن عمر ستين ألفا) هدية (فقسمها على الناس) ، أي: الحاضرين، (ثم جاءه سائل فاستقرض له من بعض أصحابه مما) كان (أعطاه) من الستين ألفا، (وأعطى السائل) . نقله صاحب القوت، (ولما قدم) أبو محمد (الحسن بن علي) بن أبي طالب (على معاوية) رضي الله عنهم (فقال: لأجيزك بجائزة) [ ص: 114 ] أي: عطية، (لم أجزها أحدا قبلك من العرب، ولا أجيزها أحدا بعدك من العرب، قال) الراوي لهذه القصة: (فأعطاه أربعمائة ألف فأخذها) ، نقله صاحب القوت .




الخدمات العلمية