الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : من أكل الحلال أربعين يوما نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه .

وفي رواية زهده الله في الدنيا .

التالي السابق


(وقال صلى الله عليه وسلم: من أكل الحلال أربعين يوما ) ، وحكمة التقييد بالأربعين أنها مدة يصير المداومة على الشيء فيه خلقا كالأصلي الغريزي، وأخذ جمع من الصوفية منه أن خلوة المريد تكون أربعين يوما، واحتجوا بوجوه أخر أظهرها أنه سبحانه خمر طينة آدم أربعين صباحا، ( نور الله قلبه ) ، أي: بالمعارف الإلهية، فلم يتشعب بسبب التعلقات الموجبة لتوزيع الهم وتشتيت العزمات، (وأجرى ينابيع الحكمة) الإلهية (من قلبه) على لسانه; لأن المداومة على أكل الحلال مجاهدة ، ولزوم المجاهدة يوصل إلى حضرة المشاهدة، ومن ثم قيل: فجاهد تشاهد وهو مصداق قوله عز وجل: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، قال العراقي : رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أيوب بلفظ: "من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، ولابن عدي نحوه من حديث أبي موسى ، وقال: حديث منكر، انتهى لفظ رواية أبي نعيم : من أخلص العبادة لله، وقد رواه عن حبيب بن الحسن بن عباس بن يوسف الشكلي عن محمد بن سيار السياري عن محمد بن إسماعيل ، عن يزيد بن يزيد الواسطي عن حجاج ، عن مكحول عن أبي أيوب ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: يزيد بن يزيد كثير الخطأ، وحجاج مجرح، ومحمد بن إسماعيل مجهول، ومكحول لم يصح سماعه من أبي أيوب ، وتعقبه السيوطي وقال: غاية ما يقال فيه أن إسناده ضعيف، وفي شرح الأحكام لابن عبد الحق : هذا الحديث وإن لم يكن صحيح الإسناد فقد صححه الذوق الذي خص به أهل العطاء والأمداد، وفهم ذلك مستغلق إلا على أهل العلم الفتحي الذي طريقه الفيض الرباني بواسطة الإخلاص المحمدي. اهـ، وفي المقاصد للحافظ السخاوي : هذا الحديث رواه أبو نعيم في الحلية من جهة مكحول عن أبي أيوب به مرفوعا، وسنده ضعيف، وهو عند أحمد في الزهد مرسل بدون أبي أيوب ، وله شاهد عن أنس رواه القضاعي من جهة ابن فيل ، ثم من طريق سواد بن مصعب عن ثابت عن مقسم عن ابن عباس به مرفوعا اهـ، قلت: هو في زوائد الزهد لأبي بكر المروزي ، وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو الشيخ في الثواب، ولفظهم: قال مكحول : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، فذكره، وقول العراقي : ولابن عدي نحوه من حديث أبي موسى .. إلخ، قلت: لفظه: "ما من عبد يخلص لله أربعين يوما" ، الحديث، ورواه ابن الجوزي أيضا من طريقه، وفي رواية: "زهده الله في الدنيا" ، أي: جعله من الزاهدين فيها الراغبين في الآخرة، وأوهم سياقه أن هذه رواية للحديث السابق، وليس كذلك، بل هو حديث مستقل ويؤيده سياق صاحب القوت قال في موضع آخر من كتابه، وفي بعض الروايات: "من أكل الحلال زهده الله في الدنيا" ، أي: فلم يورده في ذيل الحديث السابق، ولذا لم يتعرض له العراقي فتأمل .




الخدمات العلمية