الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وفي معناهما ما يستحيل من الأطعمة كدود التفاح والخل والجبن فإن الاحتراز منهما غير ممكن فأما إذا أفردت وأكلت فحكمها حكم الذباب والخنفساء والعقرب وكل ما ليس له نفس سائلة لا سبب في تحريمها إلا الاستقذار ولو لم يكن لكان لا يكره فإن ، وجد شخص لا يستقذره لم يلتفت إلى خصوص طبعه فإنه التحق بالخبائث لعموم الاستقذار فيكره أكله كما لو جمع المخاط وشربه كره ذلك وليست الكراهة لنجاستها ، فإن الصحيح أنها لا تنجس بالموت إذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يمقل الذباب في الطعام إذا وقع فيه .

وربما يكون حارا ويكون ذلك سبب موته .

التالي السابق


ثم قال المصنف: (وما في معناهما) أي: السمك والجراد ( ما يستحيل من الأطعمة كدود التفاح و) دود (الجبن) أي: المتولد فيهما، فهما طاهران، أيضا، (فإن الاحتراز عنهما غير ممكن) لكثرة الوقوع ووفور الضرورة، (وأما إذا أفردت وأكلت فحكمها حكم الذباب) ، هو هذا الطائر المعروف من الحشرات، سئل بعضهم: لم سمي الذباب؟ فقال: لأنه كلما ذب آب، وتولدها من العفونات، والعرب تجعل الذباب والفراش والنحل والزنبور والناموس والبعوض كلها من الذباب، وقال جالينوس: إنه ألوان فللإبل ذباب، وللبقر ذباب، وللخيل ذباب، وأصله دود صغار تخرج من أبدانهم فتصير ذبابا وزنابير، وذباب الناس متولد من الزبل، وتكثر إذا هاجت ريح الجنوب ويخلق في تلك الساعة، وإذا هاجت ريح الشمال خف وتلاشى، وهو من ذوات الخراطيم (والخنفساء) ، فنعلاء، حشرة معروفة، وضم الفاء أكثر من فتحها، وهي ممدودة فيهما وتقع على الذكر والأنثى، وبعض العرب يقول في الذكر خنفس وزان جندب بالفتح ولا يمتنع الضم، وهو القياس وبنو أسد يقولون: خنفسة في الخنفساء، كأنهم جعلوا الهاء عوضا عن الألف، والجمع خنافس، (والعقرب) معروف ويقال للذكر والأنثى [ ص: 18 ] (وكل ما ليس له نفس سائلة) ، أي: دم سائل، (ولا سبب في تحريمها إلا الاستقذار) أي: وجدانها قذرة، فلا يميل الطبع إليها (ولو لم يكن) ذلك (لكن لا يكره، وإذا وجد شخص لا يستقذرها لم يلتفت إلى خصوص طبعه) ، فإنه نادر لا حكم له (فإنها التحقت بالخبائث لعموم الاستقذار فيكره أكلها) ، والخبائث جمع خبيثة وهو المستكره طعمه أو ريحه ، ومنه الخبائث وهي التي كانت العرب تستخبثها مثل الحية والعقرب، (كما لو جمع المخاط) وهو ما نزل من الأنف (وشربه كره ذلك) ، أي للاستقذار، قال في الروضة: المنفصل من باطن الحيوان إن لم يكن له اجتماع واستحالة في الباطن، وإنما يرشح رشحا كاللعاب والدمع والعرق والمخاط، فله حكم الحيوان المترشح منه إن كان نجسا فنجس، وإلا فطاهر (وليست الكراهية لنجاستها، فإن الصحيح أنها لا تنجس بالموت إذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يمقل الذباب في الطعام إذا وقع فيه ) .

قال العراقي : رواه البخاري من حديث أبي هريرة اهـ .

قلت: ورواه ابن ماجه أيضا، ولفظهما: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء" . والشراب أعم من الماء أو غيره من المائعات، وفي رواية ابن ماجه : "إذا وقع في الطعام" ، وفي أخرى: "في إناء أحدكم" ، والإناء يكون فيه كل مأكول أو مشروب، وفي رواية: "فليمقله"، زاد الطبراني : كله، وفي رواية للبخاري: فلينتزعه، ويقال: مقله في الماء أو غيره مقلا إذا غمسه فيه، (وربما يكون) الطعام (حارا ويكون ذلك) ، أي: غمسه فيه (سبب موته) ونازعه بعضهم فقال: إن المقل لا يوجب الموت، فهو للمنع من العيافة وإن سلم، فإلحاق كل ما لا دم له سائل ينظر فيه، وقال التوربشتي : وفي الحديث: إن الماء القليل والمائع لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلة; لأن غمسه يفضي لموته، فلو نجسه لما أمر به، ولكن بشرط أن لا يغير اهـ. وفي الروضة للنووي : وأما الميتة التي لا دم لها سائل كالذباب وغيره فهل ينجس الماء وغيره من المائعات إذا ماتت فيها، فيه قولان، الأظهر لا ينجسه، وهذا في حيوان أجنبي من المائع، أما ما نشؤه فيه فلا ينجسه بلا خلاف، فلو أخرج منه وطرح في غيره أو رد إليه عاد القولان، فإن قلنا ينجس المائع، فهي أيضا نجسة، وإن قلنا: لا ينجسه فهي أيضا نجسة على قول الجمهور، وهذا هو المذهب، وقال القفال : ليست نجسة ثم لا فرق في الحكم بنجاسة هذا الحيوان بين ما تولد من الطعام كدود الخل والتفاح، وبين ما لا يتولد منه كالذباب والخنفساء، لكن يختلفان في تنجيس ما مات فيه، وفي جواز أكله، فإن غير المتولد لا يحل أكله، وفي المتولد أوجه، الأصح يحل أكله مع ما تولد منه، ولا يحل منفردا، والثاني يحل مطلقا، والثالث يحرم مطلقا، والأوجه جارية سواء قلنا بطهارة هذا الحيوان على قول القفال أو بنجاسته على قول الجمهور .

قال النووي : ولو كثرت الميتة التي لا نفس لها سائلة فغيرت المائع وقلنا لا ينجسه من غير تغير، فوجهان مشهوران: الأصح ينجسه; لأنه متغير بالنجاسة، والثاني: لا ينجسه، ويكون الماء طاهرا غير طهور كالمتغير بالزعفران، وقال إمام الحرمين: هو كالمتغير بماء الشجر والله أعلم اهـ .




الخدمات العلمية