الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما قول القائل : إنه لم يتحقق موته على الحل في ساعة فيكون شكا في السبب ، فليس كذلك ، بل السبب قد تحقق إذ الجرح سبب الموت فطريان الغير ، شك فيه ويدل على صحة هذا الإجماع على أن من جرح وغاب فوجد ميتا فيجب القصاص على جارحه بل إن لم يغب يحتمل أن يكون موته بهيجان خلط في باطنه كما يموت الإنسان فجأة فينبغي أن لا يجب القصاص إلا بحز الرقبة والجرح المذفف لأن العلل القاتلة في الباطن لا تؤمن ولأجلها يموت الصحيح فجأة ولا قائل بذلك مع أن القصاص مبناه على الشبهة وكذلك جنين المذكاة حلال ولعله مات قبل ذبح الأصل لا بسبب ذبحه أو لم ينفخ فيه الروح ، وغرة الجنين تجب ولعل الروح لم ينفخ فيه أو كان قد مات قبل الجناية بسبب آخر ، ولكن يبنى على الأسباب الظاهرة ، فإن الاحتمال الآخر إذا لم يستند إلى دلالة تدل عليه التحق بالوهم والوسواس كما ذكرناه فكذلك هذا .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه فللشافعي رحمه الله في هذه الصورة قولان والذي نختاره الحكم بالتحريم ; لأن السبب قد تعارض إذ الكلب المعلم كالآلة ، والوكيل يمسك على صاحبه فيحل ولو استرسل المعلم بنفسه فأخذ لم يحل لأنه يتصور منه أن يصطاد لنفسه ومهما انبعث بإشارته ثم أكل دل ابتداء انبعاثه على أنه نازل منزلة آلته ، وأنه يسعى في وكالته ونيابته ، ودل أكله آخرا على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه ، فقد تعارض السبب الدال ، فيتعارض الاحتمال والأصل التحريم ، فيستصحب ولا يزال بالشك وهو كما لو وكل رجلا بأن يشتري له جارية ، فاشترى له جارية ومات قبل أن يبين أنه اشتراها لنفسه أو لموكله يحل للموكل وطؤها ; لأن للوكيل قدرة على الشراء لنفسه ولموكله جميعا ، ولا دليل مرجح والأصل التحريم فهذا يلتحق بالقسم الأول لا بالقسم الثالث .

التالي السابق


(وأما قول القائل: إنه لم يتحقق موته على الحل في ساعة فيكون شكا في السبب، فليس كذلك، بل السبب قد تحقق إذ الجروح سبب الموت، وطريان التغير شك فيه) ، فلا يكون مغيرا (ويدل على صحة هذا الإجماع) أي: إجماع الفقهاء (على أن من جرح وغاب فوجد ميتا يجب القصاص على جارحه) حتما، (بل إن لم يغب يحتمل أن يكون موته بهيجان خلط) من الأخلاط الأربعة، (في باطنه) ، وذلك أنه إذا هاج أحد الأخلاط ولم تقو الطبيعة على مقاومته أدى ذلك إلى موته، (كما يموت الإنسان فجأة) أي: بغتة من غير سابق سبب (فينبغي أن لا يجب القصاص إلا بجز الرقبة) ، أي: قطعها، (والجرح المذفف) المسرع; (لأن العلل القاتلة في الباطن لا تؤمن) ، ولا يطلع عليها إلا حذاق الأطباء، (ولأجلها يموت الصحيح فجأة) ويبقى المريض أياما، (ولا قائل بذلك) القول (مع أن القصاص مبناه على الشبهة) لا على التحقيق، (وكذلك جنين المذكى حلال ) أكله، (ولعله مات قبل ذبح الأصل لا بسبب ذبحه إذ لم ينفخ فيه الروح، وغرة الجنين تجب) إذا أدحضه، (ولعل الروح لم تنفخ فيه [ ص: 39 ] أو كان قد مات قبل الجناية بسبب آخر، ولكن يبنى على الأسباب الظاهرة، فإن الاحتمال الآخر) الذي طرأ (إذا لم يستند إلى دلالة) معتبرة (التحق بالوهم الوسواس) والتجويز من غير دليل (كما ذكرناه) قريبا، (وكذلك هذا، وأما قوله عليه) الصلاة و (السلام) في حديث عدي بن حاتم المتقدم بذكره ( أخاف إنما يكون أمسك على نفسه فللشافعي ) رحمه الله تعالى (في هذه الصورة قولان) الحكم بالحل، والحكم بالتحريم، (والذي نختاره الحكم بالتحريم; لأن السبب قد تعارض إذ الكلب المعلم كالآلة، والوكيل يمسك على صاحبه فيحل) بهذا الاعتبار، ولذا شرط في المرسل أن يكون أهلا للزكاة بأن يكون مسلما أو كتابيا، وهو يعقل التسمية ويضبط (ولو استرسل المعلم بنفسه) من غير إرسال مرسل (فأخذ) الصيد (لم يحل) أكله (لأنه يتصور منه أن يصطاد لنفسه) خاصة (ومهما انبعث بإشارته) أي: المرسل فأخذ الصيد (فأكل دل ابتداء انبعاثه على أنه نازل منزلة آلته، وأنه يسعى في وكالته ونيابته، ودل أكله آخرا على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه، فقد تعارض السبب الدال، فيتعارض الاحتمال والأصل التحريم، فيستصحب ولا يزول) أصل التحريم (بالشك) ، وكما لو غاب رجل عن امرأته وهي في منزله غير ناشز مدة، ولم يترك لها نفقة وشهدت البينة أنه سافر عنها وهو معدم معسر لا شيء له، فسألت الحاكم الفسخ، فهل يصح الفسخ أم لا؟ أجاب ابن الصلاح بأنه لا يصح الفسخ على الأصح بناء على مجرد هذا الاستصحاب، ولو شهدت البينة المذكورة بإعساره الآن بناء على الاستصحاب جاز له ذلك إن لم يعلم زوال ذلك، ولم يتشكك، وصح الحكم بالفسخ ذكره ابن الملقن في شرح التنبيه .

(وكما لو وكل رجلا بأن يشتري له جارية، فاشترى جارية ومات قبل أن يتبين أنه اشتراها لنفسه أو لموكله لم يحل للموكل وطؤها; لأن للوكيل قدرة على الشراء لنفسه ولموكله جميعا، ولا دليل يرجح) على أحد الطرفين، (والأصل التحريم) فيبقى على أصله (فهذا يلحق بالقسم الأول) هو أن يكون التحريم معلوما من قبل، ويقع الشك في المحلل (لا بالقسم الثالث) وهو أن يكون الأصل التحريم، ولكن طرأ ما أوجب تحليله بظن غالب .




الخدمات العلمية