الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما التضييع فهو أن ما فضل عن الحاجة من الفواكه واللحوم والحبوب ، ينبغي أن يلقى في البحر أو يترك حتى يتعفن فإن الذي خلقه الله من الفواكه والحبوب زائد عن قدر توسع الخلق وترفههم ، فكيف على قدر حاجتهم ، ثم يؤدي ذلك إلى سقوط الحج والزكاة والكفارات المالية وكل عبادة نيطت بالغنى عن الناس إذا أصبح الناس لا يملكون إلا قدر حاجتهم ، وهو في غاية القبح بل أقول لو ورد نبي في مثل هذا الزمان لوجب عليه أن يستأنف الأمر ويمهد تفصيل أسباب الأملاك بالتراضي وسائر الطرق ، ويفعل ما يفعله لو وجد جميع الأموال حلالا من غير فرق .

وأعني بقولي : يجب عليه إذا كان النبي ممن بعث لمصلحة الخلق في دينهم ودنياهم إذ لا يتم الصلاح برد الكافة إلى قدر الضرورة والحاجة إليه فإن لم يبعث للصلاح لم يجب هذا .

ونحن نجوز أن يقدر الله سببا يهلك به الخلق عن آخرهم فيفوت دنياهم ويضلون في دينهم ، فإنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويميت من يشاء ، ويحيي من يشاء ولكنا نقدر الأمر جاريا على ما ألف من سنة الله تعالى في بعثة الأنبياء لصلاح الدين والدنيا .

وما لي أقدر هذا ، وقد كان ما أقدره فلقد بعث الله نبينا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل وكان شرع عيسى عليه السلام قد مضى عليه قريب من ستمائة سنة .

التالي السابق


( وأما التضييع فهو أن ما فضل عن الحاجة من الفواكه واللحوم والحبات، ينبغي أن يلقى في البحر أو يترك حتى يتعفن ) ، بتغيرها، وهذا في اللحوم ظاهر، وكذا في بعض الفواكه التي لا بقاء لها مدة، وأما الحبوب فلا، إلا أن يراد بالحبوب غير ما يسبق إلى الأذهان، كما يدل عليه سياقه بعد، وهو قوله: (فإن الذي خلقه الله من الفواكه والحبوب زائد على قدر توسع الخلق) ، في معايشهم (وترفههم، فكيف على قدر حاجتهم، ثم يؤدي ذلك إلى سقوط الحج والزكاة والكفارات الماليه و) كذا (كل عبادة نيطت بالغنى عن الناس إذ أصبح الناس لا يملكون إلا قدر حاجتهم، وهو في غاية القبح) يمجه الطبع السليم، (بل أقول لو ورد نبي) من الأنبياء (في مثل هذا الزمان لوجب عليه أن يستأنف الأمر) أي: يأخذه آنفا، (ويمهد تفصيل أسباب الأملاك) فيما بينهم، (بالتراضي وسائر الطرق، ويفعل ما يفعله لو وجد جميع الأموال حراما من غير فرق) ، كذا في غالب النسخ التي بأيدينا، وفي بعضها حلالا من غير فرق .

(وأعني بقولي:) وفي نسخة: بقوله (يجب عليه إذا كان النبي ممن بعث لمصلحة الخلق في دينهم ودنياهم إذ لا تتم المصالح) المطلوبة (برد الكافة إلى قدر الضرورة والحاجة البتة) ، وفي نسخة: إليه، (فإن لم يبعث للمصالح لم يجب عليه هذا) ، وإليه الإشارة بما ورد في الخبر: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، أي: إنه بعث لصالح الدين والدنيا وإتمامهما (ونحن [ ص: 51 ] نجوز) عقلا (أن يقدر الله) تعالى (شيئا يهلك به الخلق عن آخرهم) ، أي: كلهم، (فيفوت دنياهم ويضلون في دينهم، فإنه يهدي من يشاء ويميت من يشاء، ويحيي من يشاء) لا يسأل عما يفعل، (ولكنا نقدر الأمر جاريا على ما ألف) وعهد (من سنة الله) عز وجل الجارية (من بعثه الأنبياء) عليهم السلام (لصلاح الدين والدنيا، وإتمام مكارم الأخلاق، وما لي أقدر هذا، وقد كان ما أقدره) ووجد، (فلقد بعث نبينا صلى الله عليه وسلم على) حين (فترة من الرسل) وغلبة الجهل، (وكان شرع عيسى عليه السلام قد مضى عليه قريب من ستمائة سنة) ، وذكر الزبير بن بكار في أنساب قريش فقال: وحدثني إبراهيم بن المنذر عن إسحاق بن عيسى ، حدثني عامر بن يساف اليمامي ، عن أيوب بن عتبة قال: كان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة، وهي الفترة .




الخدمات العلمية