الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهو إما أن يكون لتعارض أدلة الشرع أو لتعارض العلامات الدالة ، أو لتعارض التشابه .

القسم الأول أن تتعارض أدلة الشرع مثل تعارض عمومين من القرآن أو السنة أو تعارض قياسين أو تعارض قياس وعموم .

وكل ذلك يورث الشك ويرجع فيه إلى الاستصحاب أو الأصل المعلوم قبله إن لم يكن ترجيح فإن ظهر ترجيح في جانب الحظر وجب الأخذ به وإن ظهر في جانب الحل جاز الأخذ به ولكن الورع تركه .

واتقاء مواضع الخلاف مهم في الورع في حق المفتي والمقلد وإن كان المقلد يجوز له أن يأخذ بما أفتى له مقلده الذي يظن أنه أفضل علماء بلده ويعرف ذلك بالتسامع كما يعرف أفضل أطباء البلد بالتسامع والقرائن وإن كان لا يحسن الطب .

وليس للمستفتي أن ينتقد من المذاهب أوسعها عليه بل عليه أن يبحث حتى يغلب على ظنه الأفضل ثم يتبعه فلا يخالفه أصلا نعم ، إن أفتى له إمامه بشيء ولإمامه فيه مخالف ، فالفرار من الخلاف إلى الإجماع من الورع المؤكد وكذا المجتهد إذا تعارضت عنده الأدلة ورجح جانب الحل بحدس وتخمين وظن ، فالورع له الاجتناب .

فلقد كان المفتون يفتون بحل أشياء لا يقدمون عليها قط تورعا منها وحذرا من الشبهة فيها .

التالي السابق


(وهو) أي: الاختلاف في الأدلة (إما أن يكون لتعارض أدلة الشرع) بعضها مع بعض (أو لتعارض العلامات الدالة، أو لتعارض المشابهة) ، فهي ثلاثة أقسام: ( القسم الأول أن تتعارض أدلة الشرع مثل تعارض عمومين من القرآن أو) من (السنة أو تعارض قياسين، أو تعارض قياس وعموم، وكل ذلك يورث الشك) ويثير الشبهة إذ لا يترجح حينئذ العمل بكل من العمومين أو بكل من القياسين، أو بكل من القياس والعموم مع التعارض، (ويرجع فيه إلى الاستصحاب أو الأصل المعلوم قبله إن لم يكن) هناك (ترجيح) لأحد المتعارضين، (فإن ظهر ترجيح في جانب الحظر وجب الأخذ به) نظرا للمرجح (وإن ظهر في جانب الحل جاز الأخذ) به (ولكن الورع تركه) احتياطا، ( واتقاء مواضع الخلاف ) بين الأئمة في المسائل (مهم في) باب (الورع في حق المفتي و) كذلك في حق (المقلد) بكسر اللام (وإن كان المقلد) بكسر اللام (يجوز له أن يأخذ بما أفتى به مقلده) بفتح اللام، أي: مقتداه (الذي يظنه أفضل علماء بلده ويعرف ذلك) أي: فضيلته (بالتسامع) من أفواه الناس، فإذا كثر مادحوه فهو حري بأن يكون أفضلهم (كما يعرف أفضل أطباء البلد بالتسامع وبالقرائن) الدالة على معرفته (وإن كان) في نفس الأمر (لا يحسن) من (الطب) ولا يتقنه ( فليس للمستفتي أن يعتقد من المذاهب أوسعها عليه ) كما لا يجوز له أن يتتبع الرخص من المذاهب، (بل عليه أن يبحث حتى يغلب على ظنه الأفضل ثم يتبعه) ويقلده فيما يقوله (فلا يخالفه أصلا) ، بل يثبت عليه، (نعم، إن أفتى له إمام) من الأئمة (بشيء) فيما يتعلق بدينه أو دنياه (ولإمامه) الذي يقلده (فيه مخالف، فالفرار من الخلاف إلى الإجماع من الورع المؤكد وكذا المجتهد) المطلق والنسبي (إذا تعارضت عنده الأدلة) أو الأقوال في المذهب، (ورجح جانب الحل بحدس وتخمين وظن، فالورع له الاجتناب) عنه، (فلقد كان المفتون يفتون بحل أشياء ولا يقدمون) بأنفسهم (عليها قط تورعا منهم وحذرا من الشبهة فيها) من ذلك ما روي عن أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يفتي الناس بالعفو عن البول يصيب ثوب المصلي كرؤوس الإبر ، رفعا للحرج، فبينما هو يمشي ذات يوم في إحدى أزقة الكوفة ، وقد أصاب ثوبه مثل ذلك، ومعه أبو يوسف فلم يزل ماسكا طرف ثوبه حتى أتى منزله فغسله كله، فقال له أبو يوسف : أما أفتيتنا بالعفو عن مثل ذلك؟ قال: نعم، تلك فتوى، وهذا تقوى .




الخدمات العلمية