الباب الثالث .
في البحث والسؤال والهجوم والإهمال ومظانها .
اعلم أن كل من قدم إليك طعاما أو هدية أو أردت أن تشتري منه أو تتهب فليس لك أن تفتش عنه وتسأل وتقول : هذا مما لا أتحقق حله فلا آخذه ، بل أفتش عنه .
وليس لك أيضا أن تترك البحث فتأخذ كل ما لا تتيقن تحريمه بل السؤال واجب مرة وحرام مرة ومندوب مرة ، ومكروه مرة فلا بد من تفصيله والقول الشافي فيه هو أن ومنشأ الريبة ومثارها إما أمر يتعلق بالمال أو يتعلق بصاحب المال . مظنة السؤال مواقع الريبة
المثار الأول أحوال المالك .
وله بالإضافة إلى معرفتك ثلاثة أحوال ، إما أن يكون مجهولا أو مشكوكا فيه أو معلوما بنوع ظن يستند إلى دلالة .
الحالة الأولى ، والمجهول هو الذي ليس معه قرينة تدل على فساده وظلمه كزي الأجناد ولا ما يدل على صلاحه كثياب أهل التصوف والتجارة والعلم وغيرها من العلامات . أن يكون مجهولا
فإذا دخلت قرية لا تعرفها فرأيت رجلا لا تعرف من حاله شيئا ولا عليه علامة تنسبه إلى أهل صلاح أو أهل فساد ، فهو مجهول ، وإذا دخلت بلدة غريبا ودخلت سوقا ووجدت ، رجلا خبازا أو قصابا أو غيره ولا علامة تدل على كونه مريبا أو خائنا ، ولا ما يدل على نفيه فهو مجهول ولا يدرى حاله ولا نقول ، إنه مشكوك فيه ; لأن الشك عبارة عن اعتقادين متقابلين لهما سببان متقابلان وأكثر الفقهاء لا يدركون الفرق بين ما لا يدرى وبين ما يشك فيه وقد عرفت مما سبق أن الورع ترك ما لا يدرى .
قال يوسف بن أسباط منذ ثلاثين سنة ما حاك في قلبي شيء إلا تركته .
وتكلم جماعة في فقالوا : هو الورع فقال لهم حسان بن أبي سنان ما شيء عندي أسهل من الورع إذا حاك في صدري شيء تركته . أشق الأعمال
فهذا وإنما نذكر الآن حكم الظاهر فنقول : حكم هذه الحالة أن شرط الورع بل يده وكونه مسلما دلالتان كافيتان في الهجوم على أخذه . المجهول إن قدم إليك طعاما أو حمل إليك هدية ، أو أردت أن تشتري من دكانه شيئا فلا يلزمك السؤال
وليس لك أن تقول : الفساد والظلم غالب على الناس فهذه وسوسة وسوء ظن بهذا المسلم بعينه ، وإن بعض الظن إثم .
وهذا المسلم يستحق بإسلامه عليك أن لا تسيء الظن به فإن أسأت الظن به في عينه ; لأنك رأيت فسادا من غيره فقد جنيت عليه وأثمت به في الحال نقدا من غير شك ، ولو أخذت المال لكان كونه حراما مشكوكا فيه .
ويدل عليه أنا نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم في غزواتهم وأسفارهم كانوا ينزلون في القرى ولا يردون القرى ويدخلون البلاد ولا يحترزون من الأسواق وكان الحرام أيضا موجودا في زمانهم وما نقل عنهم سؤال إلا عن ريبة إذ كان صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن كل ما يحمل إليه بل سأل في أول قدومه إلى المدينة عما يحمل إليه أصدقة أم هدية .
لأن قرينة الحال تدل وهو دخول المهاجرين المدينة وهم فقراء فغلب على الظن أن ما يحمل إليهم بطريق الصدقة ثم إسلام المعطي ويده لا يدلان على أنه ليس بصدقة .
وكان يدعى إلى الضيافات فيجيب ولا يسأل أصدقة أم لا .