النظر الثاني في المصرف .
فإذا أخرج الحرام فله ثلاثة أحوال .
إما أن يكون له مالك معين ، فيجب الصرف إليه أو إلى وارثه وإن كان غائبا فينتظر حضوره أو الإيصال إليه وإن كانت له زيادة ومنفعة فلتجمع فوائده إلى وقت حضوره .
وإما أن يكون لمالك غير معين وقع اليأس من الوقوف على عيبه ، ولا يدرى أنه مات عن وارث أم لا ، فهذا لا يمكن الرد فيه للمالك ، ويوقف حتى يتضح الأمر فيه ، وربما لا يمكن الرد لكثرة الملاك فإنها بعد تفرق الغزاة كيف يقدر على جمعهم ، وإن قدر فكيف يفرق دينارا واحدا مثلا على ألف أو ألفين فهذا ينبغي أن يتصدق به . كغلول الغنيمة
وإما من مال الفيء والأموال المرصدة لمصالح المسلمين كافة فيصرف ذلك إلى القناطر والمساجد والرباطات ومصانع طريق مكة وأمثال هذه الأمور التي يشترك في الانتفاع بها كل من يمر بها من المسلمين ليكون عاما للمسلمين وحكم القسم الأول لا شبهة فيه ، أما التصدق وبناء القناطر فينبغي أن يتولاه القاضي فيسلم إليه المال إن وجد قاضيا متدينا وإن كان القاضي مستحلا فهو بالتسليم إليه ضامن لو ابتدأ به فيما لا يضمنه ، فكيف يسقط عنه به ضمان قد استقر عليه بل يحكم من أهل البلد عالما متدينا ، فإن التحكيم أولى من الانفراد ، فإن عجز فليتول ذلك بنفسه ، فإن المقصود الصرف .
وأما عين الصارف فإنما نطلبه لمصارف دقيقة في المصالح ، فلا يترك أصل الصرف بسبب العجز عن صارف هو أولى عند القدرة عليه .
فإن قيل : ما دليل جواز التصدق بما هو حرام ، وكيف يتصدق بما لا يملك ، وقد ذهب جماعة إلى أن ذلك غير جائز ; لأنه حرام وحكي عن الفضيل أنه وقع في يده درهمان ، فلما علم أنهما من غير وجههما رماهما بين الحجارة وقال : لا أتصدق إلا بالطيب ، ولا أرضى لغيري مالا أرضاه لنفسي فنقول : نعم ذلك ، له وجه واحتمال وإنما ، اخترنا خلافه للخبر والأثر والقياس ، أما الخير فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق بالشاة المصلية التي قدمت إليه ، فكلمته بأنها حرام إذ قال صلى الله عليه وسلم : أطعموها الأسارى .
ولما نزل قوله تعالى : الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون كذبه المشركون وقالوا للصحابة : ألا ترون ما يقول صاحبكم يزعم أن الروم ستغلب فخاطرهم رضي الله عنه بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما حقق الله صدقه وجاء أبو بكر رضي الله عنه بما قامرهم به قال عليه الصلاة والسلام : هذا سحت فتصدق به وفرح المؤمنون بنصر الله وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له في المخاطرة مع الكفار . أبو بكر