الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وعن حبيب ابن أبي ثابت قال : لقد رأيت جائزة المختار لابن عمر وابن عباس فقبلاها ، فقيل : ما هي قال ؟ : مال وكسوة .

وعن الزبير بن عدي أنه قال : قال سلمان إذا كان لك صديق عامل أو تاجر يقارف الربا فدعاك إلى طعام أو نحوه أو أعطاك شيئا فاقبل فإن المهنأ لك وعليه الوزر .

فإن ثبت هذا في المربي ، فالظالم في معناه .

وعن جعفر عن أبيه أن الحسن والحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية .

وقال حكيم بن جبير مررنا على سعيد بن جبير وقد جعل عاملا على أسفل الفرات ، فأرسل إلى العشارين أطعمونا مما عندكم ، فأرسلوا بطعام فأكل وأكلنا معه وقال العلاء بن زهير الأزدي أتى إبراهيم أبي وهو عامل على حلوان فأجازه فقبل وقال إبراهيم لا بأس بجائزة العمال إن للعمال مؤنة ورزقا .

ويدخل بيت ماله الخبيث والطيب ، فما أعطاك فهو من طيب ماله .

فقد أخذ هؤلاء كلهم جوائز السلاطين الظلمة ، وكلهم طعنوا على من أطاعهم في معصية الله تعالى .

وزعمت هذه الفرقة أن ما ينقل من امتناع جماعة من السلف لا يدل على التحريم ، بل على الورع كالخلفاء الراشدين وأبي ذر وغيرهم من الزهاد فإنهم امتنعوا من الحلال المطلق زهدا ، ومن الحلال الذي يخاف إفضاؤه إلى محذور ورعا وتقوى .

فإقدام هؤلاء يدل على الجواز ، وامتناع أولئك لا يدل على التحريم .

وما نقل عن سعيد بن المسيب أنه ترك عطاءه في بيت المال حتى اجتمع بضعة وثلاثين ألفا وما نقل عن الحسن من قوله : لا أتوضأ من ماء صيرفي ولو ضاق وقت الصلاة ، لأني لا أدري أصل ماله كل ذلك ورع لا ينكر واتباعهم عليه أحسن من اتباعهم على الاتساع ولكن لا يحرم اتباعهم على الاتساع أيضا .

فهذه هي شبهة من يجوز أخذ مال السلطان الظالم .

، والجواب أن ما نقل من أخذ هؤلاء محصور قليل بالإضافة إلى ما نقل من ردهم وإنكارهم ، وإن كان يتطرق إلى امتناعهم احتمال الورع ، فيتطرق إلى أخذ من أخذ ثلاثة احتمالات متفاوتة في الدرجة بتفاوتهم في الورع .

التالي السابق


(وعن حبيب بن أبي ثابت) واسمه قيس بن دينار الأسدي مولاهم يكنى أبا يحيى، تابعي ثقة، وهو مفتي الكوفة قبل حماد بن أبي سليمان مات سنة تسع عشرة ومائة، (قال: لقد رأيت جائزة المختار لابن عمر وابن عباس فقبلاهما، فقيل: ما هي؟ فقال: مال وكسوة) ، وقد تقدم عن ابن الأثير ما يؤيد ذلك، (وعن الزبير بن عدي) الهمداني اليامي الكوفي يكنى أبا عبد الله، تقدم ذكره (أنه قال: قال سلمان) الفارسي رضي الله عنه: (إذا كان لك صديق عامل) على عمل من أعمال السلطان، (أو تاجر يقارف الربا) في معاملته (فدعاك إلى طعام أو نحوه أو أعطاك شيئا فاقبله) ، ولا ترده وأجب إلى طعامه، (فإن المهنأ لك) أي: حيث لم تعرفه، (وعليه الوزر) حيث عمله، وقد تقدمت الإشارة إليه في كلام المصنف; حيث قال: وقد روى سليمان مثل ذلك، (فإذا ثبت هذا في المرابي، فالظالم في معناه) ، أي: يجوز قبول عطيته والإجابة إلى دعوته ، (وعن) الإمام أبي عبد الله (جعفر) الصادق، (عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين (أن الحسن والحسين ) رضي الله عنهم (كانا يقبلان جوائز معاوية) ، أي: مع ما كان في ماله من الاختلاط، (وقال حكيم بن جبير) الأسدي الكوفي، ضعيف رمي بالتشيع: (مررنا على سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت، فقيه، وروايته عن عائشة وأبي موسى مرسلة قتله الحجاج صبرا، سنة خمس وتسعين، ولم يكمل الخمسين، (وقد جعل عاشرا) ، أي: قابضا يقبض العشر، (من أسفل الفرات، فأرسل إلى) جماعة (العشارين أطعمونا مما عندكم، فأرسلوا بطعام فأكل وأكلت معه) يحمل حالهم على أن لهم رزقا وكفاية من بيت المال تحت خدمتهم فيحل لهم، وما حل لهم حل لغيرهم، (وقال العلاء بن زهير) بن عبد الله أبو زهير: (الأزدي) الكوفي، ثقة، روى له النسائي ، (أتى إبراهيم) النخعي (أبي) يعني زهيرا ، (وهو عامل على حلوان ) مدينة بالعراق ، (فأجازه) بعطية، (فقبل) ولم يرد (وقال إبراهيم) النخعي: ( لا بأس بجائزة العمال إن للعامل مؤنة ورزقا) يعطاه تحت عمالته، (ويدخل بيت ماله الخبيث والطيب، فما أعطاك فهو من طيب ماله) ، إذا عملت ذلك، (فقد) ظهر لك أنه (أخذ هؤلاء كلهم جوائز السلاطين الظلمة ، وكلهم طعنوا على من أطاعهم في معصية الله تعالى، وزعمت هذه الفرقة أن ما ينقل من امتناع جماعة) من أخذها (لا يدل على التحريم، بل على الورع) والاحتياط، (كالخلفاء الراشدين) الصهران والختنان وعمر بن عبد العزيز ، ( وأبي ذر وغيرهم من الزهاد) رضي الله عنهم، (فإنهم امتنعوا من الحلال المطلق زهدا، ومن الحلال الذي يخاف إفضاؤه إلى محذور ورعا وتقوى، فإقدام هؤلاء) عليها (يدل على الجواز، وامتناع أولئك لا يدل على التحريم، وما نقل عن سعيد بن المسيب ) التابعي (أنه ترك عطاءه في بيت المال) ، ولم يأخذه تورعا (حتى اجتمع بضعة وثلاثون ألفا، و) كذا (ما نقل عن الحسن) البصري، (من قوله: إنه قال: لا أتوضأ من ماء صيرفي، وإن ضاق وقت الصلاة، لأني لا أدري أصل ماله) ، إذ يدخل على الصيرفي في معاملاته محذورات كثيرة، (كل ذلك ورع لا ينكر) منهم، (واتباعهم عليه أحسن من اتباعهم على الاتساع) والتساهل، (ولكن لا نحرم اتباعهم على الاتساع أيضا في كل ذلك، فهذه شبهة من يجيز أخذ مال السلطان الظالم ، والجواب) الشافي عن ذلك (أن ما نقل من أخذ هؤلاء محصور قليل بالإضافة إلى ما نقل من ردهم وإنكارهم، وإن كان يتطرق إلى امتناعهم احتمال الورع، فيتطرق إلى أخذ من أخذ ثلاث احتمالات متفاوتة في الدرجة كتفاوتهم [ ص: 115 ] في الورع) .




الخدمات العلمية