فأما مع الخطاب بالمولى وما في معناه فغير جائز ، قال صلى الله عليه وسلم : الدعاء بالحراسة وطول البقاء وإسباغ النعمة من دعا لظالم بالبقاء ، فقد أحب أن يعصي الله في أرضه .
فإن جاوز الدعاء إلى الثناء فسيذكر ما ليس فيه فيكون به كاذبا ومنافقا ومكرما لظالم وهذه ثلاث معاص .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : . إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق
وفي خبر آخر : من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام .
فإن جاوز ذلك إلى التصديق له فيما يقول والتزكية والثناء على ما يعمل كان عاصيا بالتصديق والإعانة ، فإن التزكية والثناء إعانة على المعصية وتحريك للرغبة فيه كما أن التكذيب والذم والتقبيح زجر عنه وتضعيف لدواعيه .
والإعانة على المعصية معصية ولو بشطر كلمة .
ولقد سئل سفيان الثوري رضي الله عنه عن فقال : لا دعه حتى يموت فإن ذلك إعانة له . ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء ؟
وقال غيره : يسقى إلى أن تثوب إليه نفسه ثم يعرض عنه .
فإن جاوز ذلك إلى إظهار الحب والشوق إلى لقائه وطول بقائه فإن كان كاذبا عصى معصية الكذب والنفاق ، وإن كان صادقا عصى بحبه بقاء الظالم ، وحقه أن يبغضه في الله ويمقته .
فالبغض في الله واجب ومحب المعصية والراضي بها عاص ومن أحب ظالما فإن أحبه لظلمه فهو عاص لمحبته وإن أحبه لسبب آخر فهو عاص من حيث إنه لم يبغضه وكان الواجب عليه أن يبغضه .
وإن اجتمع في شخص خير وشر وجب أن يحب لأجل ذلك الخير ويبغض لأجل ذلك الشر وسيأتي في كتاب الإخوة والمتحابين في الله وجه الجمع بين البغض والحب .
فإن سلم من ذلك كله وهيهات ، فلا يسلم من فساد يتطرق إلى قلبه ، فإنه ينظر إلى توسعه في النعمة ويزدري نعم الله عليه ويكون مقتحما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : يا معشر المهاجرين لا تدخلوا على أهل الدنيا ، فإنها مسخطة للرزق .
وهذا مع ما فيه من اقتداء غيره به في الدخول ومن تكثيره سواد الظلمة بنفسه وتجميله إياهم إن كان ممن يتجمل به ، وكل ذلك إما مكروهات أو محظورات .
دعي ، إلى البيعة للوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان فقال لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين . سعيد بن المسيب
فقال : ادخل من الباب واخرج من الباب الآخر فقال لا ، والله لا يتقدي بي أحد من الناس فجلد مائة وألبس المسوح .
ولا يجوز الدخول عليهم إلا بعذرين ; أحدهما أن يكون من جهتهم أمر إلزام لا أمر إكرام وعلم أنه لو امتنع أوذي أو أفسد عليهم طاعة الرعية واضطرب عليهم أمر السياسة ، فيجب عليه الإجابة لا طاعة لهم بل مراعاة لمصلحة الخلق حتى لا تضطرب الولاية .
والثاني أن يدخل عليهم في دفع ظلم عن مسلم سواه ، أو عن نفسه ، إما بطريق الحسبة أو بطريق التظلم فذلك رخصة بشرط أن لا يكذب ولا يثني ولا يدع نصيحة يتوقع لها قبولا فهذا حكم الدخول .