مسألة :
الصوفية وسكانه ، فالأمر فيه أوسع مما أوصى لهم به لأن معنى الوقف الصرف إلى مصالحهم فلغير الصوفي أن يأكل معهم برضاهم على مائدتهم مرة أو مرتين فإن أمر الأطعمة مبناه على التسامح حتى جاز الانفراد بها في الغنائم المشتركة وللقوال أن يأكل معهم في دعوتهم من ذلك الوقف ، وكان ذلك من مصالح معايشهم ، ما وقف على رباط للصوفية لا يجوز أن يصرف إلى قوال الصوفية بخلاف الوقف ، وكذلك من أحضروه من العمال والتجار والقضاة والفقهاء ممن لهم غرض في استمالة قلوبهم يحل لهم الأكل برضاهم ، فإن الواقف لا يقف إلا معتقدا فيه ما جرت به عادات وما أوصى به الصوفية فينزل على العرف ولكن ليس هذا على الدوام فلا يجوز لمن ليس صوفيا أن يسكن معهم على الدوام ويأكل وإن رضوا به ، إذ ليس لهم تغيير شرط الواقف بمشاركة غير جنسهم .
وأما الفقيه إذا كان على زيهم وأخلاقهم ، فله النزول عليهم وكونه فقيها لا ينافي كونه صوفيا ، والجهل ليس بشرط في التصوف عند من يعرف التصوف ولا يلتفت إلى خرافات بعض الحمقى بقولهم : إن العلم حجاب فإن الجهل هو الحجاب .
وقد ذكرنا تأويل هذه الكلمة في كتاب العلم وأن الحجاب هو العلم المذموم دون المحمود وذكرنا المحمود والمذموم وشرحهما .
وأما الفقيه إذا لم يكن على زيهم وأخلاقهم ، فلهم منعه من النزول عليهم فإن رضوا بنزوله فيحل له الأكل معهم بطريق التبعية فكان عدم الزي تجبره المساكنة ، ولكن برضا أهل الزي ، وهذه أمور تشهد لها العادات ، وفيها أمور متقابلة لا يخفى أطرافها في النفي والإثبات ومتشابه أوساطها ، فمن احترز في مواضع الاشتباه فقد استبرأ لدينه كما نبهنا عليه في أبواب الشبهات .