الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
مسألة :

سئل عن الفرق بين الرشوة والهدية مع أن كل واحد منهما يصدر عن الرضا ولا يخلو عن غرض ، وقد حرمت إحداهما دون الأخرى .

فقلت : باذل المال لا يبذله قط إلا لغرض ، ولكن الغرض إما آجل كالثواب وإما عاجل ، والعاجل إما مال وإما فعل وإعانة على مقصود معين ، وإما تقرب إلى قلب المهدى إليه بطلب محبته إما للمحبة في عينها ، وإما للتوصل بالمحبة إلى غرض وراءها ، فالأقسام الحاصلة من هذه خمسة .

الأول ما غرضه الثواب في الآخرة ، وذلك إما أن يكون لكون المصروف إليه محتاجا أو عالما أو منتسبا بنسب ديني ، أو صالحا في نفسه متدينا .

فما علم الآخذ أنه يعطاه لحاجته لا يحل له أخذه إن لم يكن محتاجا وما علم أنه يعطاه لشرف نسبه لا يحل له إن علم أنه كاذب في دعوى النسب وما يعطى لعلمه ، فلا يحل له أن يأخذه إلا أن يكون في العلم كما يعتقده المعطي ، فإن كان خيل إليه كمالا في العلم حتى بعثه بذلك على التقرب ، ولم يكن كاملا لم يحل له ، وما يعطى لدينه وصلاحه لا ، يحل له أن يأخذه إن كان فاسقا في الباطن فسقا لو علمه المعطي ما أعطاه .

وقلما ، يكون الصالح بحيث لو انكشف باطنه لبقيت القلوب مائلة إليه وإنما ستر الله الجميل هو الذي يحبب الخلق إلى الخلق .

وكان ، المتورعون يوكلون في الشراء من لا يعرف أنه وكيلهم حتى لا يتسامحوا في المبيع خيفة من أن يكون ذلك أكلا بالدين فإن ذلك ، مخطر ، والتقي خفي لا كالعلم والنسب والفقر فينبغي أن يجتنب الأخذ بالدين ما أمكن .

التالي السابق


(مسألة: سئل عن الفرق بين الرشوة والهدية مع أن كل واحدة منهما تصدر عن الرضا ولا تخلو عن غرض، وقد حرم إحداهما دون الأخرى، فقلت:) في الجواب (باذل المال لا يبذله قط) ولا يعطيه (إلا لغرض، ولكن إما آجل كالثواب) من الله تعالى، (وإما عاجل، والعاجل إما مال وإما فعل وإعانة على مقصود معين، وإما تقرب إلى قلب المهدى إليه لطلب محبة) ، وذلك (إما للمحبة في عينها، وإما للتواصل بالمحبة إلى غرض وراءها، فالأقسام الحاصلة من هذا) التقسيم (خمسة) ; القسم (الأول ما غرضه الثواب في الآخرة ، وذلك بأن يكون المصروف إليه محتاجا أو عالما أو نسيبا بنسب ديني، أو صالحا في نفسه متدينا، فما علم الآخذ أنه يعطاه لحاجته) ، أي: لأجل أنه محتاج، (فلا يحل له أخذه إن لم يكن محتاجا) ; لأنه لم تصادف العطية محلها، (وما علم أنه يعطاه لشرف نسبه) واتصاله برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنسب قريش، (فلا يحل له إن علم أنه مجازف) ، وفي نسخة: كاذب (في دعوى النسب) بأن لم يثبت ذلك عنده بطريق صحيح، وإنما هو مجرد اشتهار، (وما يعطى لعلمه، فلا يحل له أن يأخذه إلا أن يكون في العلم كما يعتقده المعطي، فإن كان حمل إليه وهو يعتقد فيه كمالا في العلم ولم يكن كاملا) ، وفي نسخة: فإن كان خيل إليه كمالا (في العلم حتى بعثه ذلك على التقرب، ولم يكن كاملا لم يحل له أخذه، وما يعطى لدينه وصلاحه، فلا يحل له أن يأخذه إن كان فاسقا في الباطن فعسى) ، وفي نسخة: فسقا (لو علم ذلك منه المعطي لما أعطاه، وقد يكون الرجل الصالح في الظاهر) بحيث (لو انكشفت باطنه لما بقيت القلوب مائلة إليه) ، بل تنفر منه، (وإنما ستر الله الجميل هو الذي يحببه إلى الخلق، و) قد (كان المتورعون) من السلف (يوكلون في الشراء من لا يعرف أنه وكيلهم) فيه (حتى لا يسامحوا في البيع خيفة من أن يكون ذلك أكلا بالدين، فإنه أمر مخطر، والتقي خفي) لا يعلم أمره (لا كالعلم والنسب والفقر) ، فإنه ظاهر، (ينبغي أن يجتنب الأخذ بالدين ما أمكن) .




الخدمات العلمية