الثالث : كالمحتاج إلى السلطان يهدي إلى وكيل السلطان وخاصته ومن له مكانة عنده فهذه هدية بشرط ثواب يعرف بقرينة الحال فلينظر في ذلك العمل الذي هو الثواب فإن كان حراما كالسعي في تنجيز إدرار حرام أو ظلم إنسان أو غيره حرم الأخذ وإن كان واجبا كدفع ظلم متعين على كل من يقدر عليه أو شهادة متعينة فيحرم عليه ما يأخذه وهي الرشوة التي لا يشك في تحريمها وإن كان مباحا لا واجبا ولا حراما ، وكان فيه تعب بحيث لو عرف لجاز الاستئجار عليه ، فما يأخذه حلال معها وفي الغرض ، وهو جار مجرى الجعالة كقوله : أوصل هذه القصة إلى يد فلان أو يد السلطان ولك دينار وكان بحيث يحتاج إلى تعب وعمل متقوم ، أو قال : اقترح على فلان أن يعينني في غرض كذا أو ينعم علي بكذا وافتقر في تنجيز غرضه إلى كلام طويل ، فذلك جعل كما يأخذه الوكيل بالخصومة بين يدي القاضي ، فليس بحرام إذا كان لا يسعى في حرام وإن كان مقصود يحصل بكلمة لا تعب فيها ولكن تلك الكلمة من ذي الجاه أو تلك الفعلة من ذي الجاه تفيد كقوله للبواب : لا تغلق دونه باب السلطان ، أو كوضعه قصة بين يدي السلطان فقط ، فهذا حرام ; لأنه عوض من الجاه ، ولم يثبت في الشرع جواز ذلك ، بل ثبت ما يدل على النهي عنه كما سيأتي في هدايا الملوك وإذا كان لا يجوز العوض عن إسقاط الشفعة والرد بالعيب ودخول الأغصان في هواء الملك ، وجملة من الأعراض مع كونها مقصودة ، فكيف يؤخذ عن الجاه ويقرب من هذا أخذ الطبيب العوض على كلمة واحدة ينبه بها على دواء ينفرد بمعرفته كواحد ينفرد بالعلم بنبت يقلع البواسير أو غيره فلا يذكره إلا بعوض فإن عمله بالتلفظ غير متقوم كحبة من سمسم ، فلا يجوز أخذ العوض عليه ولا على علمه . أن يكون المراد إعانة بفعل معين
إذ ليس ينتقل علمه إلى غيره ، وإنما يحصل لغيره مثل علمه ، ويبقى هو عالما به ، ودون هذا الحاذق في الصناعة كالصيقلي مثلا الذي يزيل اعوجاج السيف أو المرآة بدقة واحدة لحسن معرفته بموضع الخلل ولحذقه بإصابته ، فقد يزيد بدقة واحدة مال كثير في قيمة السيف والمرآة فهذا لا أرى بأسا بأخذ الأجرة عليه ; لأن مثل هذه الصناعات يتعب الرجل في تعلمها ليكتسب بها ويخفف عن نفسه كثرة العمل .