القسم الثاني ، والوسيلة إلى المحبوب محبوب وما يجب لغيره كان ذلك الغير هو المحبوب بالحقيقة . أن يحبه لينال من ذاته غير ذاته ، فيكون وسيلة إلى محبوب غيره
ولكن الطريق إلى المحبوب محبوب ولذلك أحب الناس الذهب والفضة ، ولا غرض فيهما إذ لا يطعم ولا يلبس ، ولكنهما وسيلة إلى المحبوبات فمن الناس من يحب كما يحب الذهب والفضة من حيث إنه وسيلة إلى المقصود إذ يتوصل به إلى نيل جاه أو مال أو علم كما يحب الرجل سلطانا لانتفاعه بماله أو جاهه ويحب خواصه لتحسينهم حاله عنده وتمهيدهم أمره في قلبه فالمتوسل ، إليه إن كان مقصور الفائدة على الدنيا لم يكن حبه من جملة الحب في الله وإن لم يكن مقصور الفائدة على الدنيا ، ولكنه ليس يقصد به إلا الدنيا كحب التلميذ لأستاذه ، فهو أيضا خارج عن الحب لله فإنه إنما يحبه ليحصل منه العلم لنفسه فمحبوبه العلم ، فإذا كان لا يقصد العلم للتقرب إلى الله بل لينال به الجاه والمال والقبول عند الخلق ، فمحبوبه الجاه والقبول ، والعلم وسيلة إليه ، والأستاذ وسيلة إلى العلم فليس في شيء من ذلك حب لله إذ لا يتصور كل ذلك ممن لا يؤمن بالله تعالى أصلا .
ثم ينقسم هذا أيضا إلى مذموم ومباح ، فإن كان يقصد به التوصل إلى مقاصد مذمومة من قهر الأقران وحيازة أموال اليتامى وظلم الرعاة بولاية القضاء أو غيره كان كالحب مذموما ، وإن كان يقصد به التوصل إلى مباح ، وإنما تكتسب الوسيلة الحكم والصفة من المقصد المتوصل إليه فإنها تابعة له غير قائمة بنفسها .