. بيان البغض في الله
اعلم أن كل من يحب في الله لا بد أن يبغض في الله فإنك إن أحببت إنسانا لأنه مطيع لله ومحبوب عند الله فإن عصاه فلا بد أن تبغضه لأنه عاص لله وممقوت عند الله ومن أحب بسبب فبالضرورة يبغض لضده وهذان متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر وهو مطرد في الحب والبغض في العادات ولكن كل واحد من الحب والبغض داء دفين في القلب وإنما يترشح عند الغلبة ويترشح بظهور أفعال المحبين والمبغضين في المقاربة والمباعدة ، وفي المخالفة والموافقة ، فإذا ظهر في الفعل سمي موالاة ومعاداة ولذلك قال الله تعالى هل واليت في وليا وهل ، عاديت في عدوا ، كما نقلناه وهذا واضح في حق من لم يظهر لك إلا طاعاته تقدر على أن تحبه أو لم يظهر لك إلا فسقه وفجوره وأخلاقه المسيئة فتقدر على أن تبغضه وإنما المشكل إذا اختلطت الطاعات بالمعاصي فإنك تقول : كيف أجمع بين البغض والمحبة ، وهما متناقضان ، وكذلك تتناقض ثمرتهما من الموافقة والمخالفة والموالاة والمعاداة وأقول ، ذلك غير متناقض في حق الله تعالى كما لا يتناقض في الحظوظ البشرية ، فإنه مهما اجتمع في شخص واحد خصال يحب بعضها ويكره بعضها فإنك تحبه من وجه وتبغضه من وجه فمن زوجة حسناء فاجرة أو ولد ذكي خدوم ولكنه فاسق فإنه يحبه ، من وجه ويبغضه من وجه ويكون معه على حالة بين حالتين إذ لو فرض له ثلاثة أولاد ، أحدهم ذكي بار والآخر بليد عاق والآخر بليد بار ، أو ذكي عاق ، فإنه يصادف نفسه معهم على ثلاثة أحوال متفاوتة بحسب تفاوت خصالهم ، فكذلك ينبغي أن تكون حالك بالإضافة إلى من غلب عليه الفجور ، ومن غلبت عليه الطاعة ومن اجتمع فيه كلاهما متفاوتة على ثلاث مراتب ، وذلك بأن تعطى كل صفة حظها من البغض والحب والإعراض والإقبال والصحبة والقطيعة وسائر الأفعال الصادرة منه .
، فإن قلت: كل مسلم فإسلامه طاعة منه فكيف أبغضه مع الإسلام ؟ فأقول : تحبه لإسلامه وتبغضه لمعصيته ، وتكون معه على حالة لو قستها بحال كافر أو فاجر أدركت تفرقة بينهما . وتلك التفرقة حب للإسلام وقضاء لحقه وقدر الجناية على حق الله والطاعة له كالجناية على حقك والطاعة لك .
فمن وافقك على غرض وخالفك في آخر فكن معه على حالة متوسطة بين الانقباض والاسترسال وبين الإقبال والإعراض وبين التودد إليه والتوحش عنه ولا ؛ تبالغ في إكرامه مبالغتك في إكرام من يوافقك على جميع أغراضك ولا تبالغ في إهانته مبالغتك في إهانة من خالفك في جميع أغراضك .
ثم ذلك التوسط تارة يكون ميله إلى طرف الإهانة عند غلبة الجناية وتارة إلى طرف المجاملة والإكرام عند غلبة الموافقة ، فهكذا ينبغي أن يكون فيمن يطيع الله تعالى ويعصيه ويتعرض لرضاه مرة ولسخطه أخرى .