واعلم أنه وأقل درجات الأخوة أن يعامل أخاه بما يحب أن يعامله به ولا شك أنه ينتظر منه ستر العورة والسكوت على المساوي والعيوب ولو ظهر له منه نقيض ما ينتظره اشتد عليه غيظه وغضبه ؛ فما أبعده إذا كان ينتظر منه ما لا يضمره له ولا يعزم عليه لأجله ، وويل له في نص كتاب الله تعالى حيث قال : لا يتم إيمان المرء ما لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون وكل من يلتمس من الإنصاف أكثر مما تسمح به نفسه فهو داخل تحت مقتضى هذه الآية .
ومنشأ التقصير في ستر العورة أو السعي في كشفها الداء الدفين في الباطن وهو الحقد والحسد فإن الحقود الحسود يملأ باطنه بالخبث ولكن يحبسه في باطنه ويخفيه ولا يبديه مهما لم يجد له مجالا وإذا ، وجد فرصة انحلت الرابطة وارتفع الحياء ويترشح الباطن بخبثه الدفين .
ومهما انطوى الباطن على حقد وحسد فالانقطاع أولى قال بعض الحكماء : ظاهر العتاب خير من مكنون الحقد ولا يزيد لطف الحقود إلا وحشة منه ومن في قلبه سخيمة على مسلم فإيمانه ضعيف وأمره مخطر وقلبه خبيث لا يصلح للقاء الله .
وقد روى عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أنه قال : كنت باليمن ولي جار يهودي يخبرني عن التوراة فقدم علي اليهودي من سفر ، فقلت : إن الله قد بعث فينا نبيا فدعانا إلى الإسلام فأسلمنا وقد أنزل علينا كتابا مصدقا للتوراة ، فقال اليهودي : صدقت ولكنكم لا تستطيعون أن تقوموا بما جاءكم به إنا نجد نعته ونعت أمته في التوراة إنه لا يحل لامرئ أن يخرج من عتبة بابه وفي قلبه سخيمة على أخيه المسلم .