الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال بعض السلف في ستر زلات الإخوان ود الشيطان أن يلقى على أخيكم مثل هذا حتى تهجروه وتقطعوه ، فماذا اتقيتم من محبة عدوكم .

؟! وهذا لأن التفريق بين الأحباب من محاب الشيطان كما أن مقارفة العصيان من محابه فإذا حصل للشيطان أحد غرضيه فلا ينبغي أن يضاف إليه الثاني وإلى هذا أشار عليه السلام في الذي شتم الرجل الذي أتى فاحشة إذ قال مه وزبره وقال : لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم .

فبهذا كله يتبين الفرق بين الدوام والابتداء ؛ لأن مخالطة الفساق محذورة ، ومفارقة الأحباب والإخوان أيضا محذورة ، وليس من سلم عن معارضة غيره كالذي لم يسلم ، وفي الابتداء قد سلم فرأينا أن المهاجرة والتباعد هو الأولى ، وفي الدوام تعارضا ، فكان الوفاء بحق الأخوة أولى ، هذا كله في زلته في دينه .

أما زلته في حقه بما يوجب إيحاشه فلا خلاف في أن الأولى العفو والاحتمال بل كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن ويتصور تمهيد عذر فيه قريب أو بعيد فهو واجب بحق الأخوة ، فقد قيل : ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذرا ، فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك فتقول ، لقلبك : ما أقساك ! يعتذر إليك أخوك سبعين عذرا فلا تقبله ، فأنت المعيب لا أخوك ! .

التالي السابق


(وقال بعض السلف في ستر زلات الإخوان) ولفظ القوت: وفي أثر عن بعض العلماء في مثل زلات الإخوان، قال: (ود الشيطان أن يلقى على أخيكم مثل هذا حتى تهجروه وتقطعوه، فماذا اتقيتم من محبة عدوكم؟!) يعني: الشيطان (وهذا لأن التفرق بين الأحباب من محاب الشيطان) أي: مما يحبه ويرغب إليه (كما أن مقاربة العصيان من) جملة (محابه فإذا حصل للشيطان أحد غرضيه) الذي هو مقارفة المعصية (فلا ينبغي أن يضاف إليه) غرضه (الآخر) الذي هو مفارقة الأحبة وترك الصداقة (وإلى هذا أشار -صلى الله عليه وسلم- في الذي شتم الرجل الذي أتى فاحشة) قيل: سرقه (إذ قال مه) أي: اكفف عن قولك (وزجره) عنه (وقال: لا تكونوا أعوانا) وفي لفظ: عونا (للشيطان على أخيكم) رواه البخاري من حديث أبي هريرة.

وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله مبسوطا (فهذا كله يبين الفرق بين الدوام والابتداء؛ لأن مخالطة [ ص: 231 ] الفساق) ومن على طريقتهم (محذورة، ومفارقة الإخوان والأحباب أيضا محذورة، وليس ما سلم من معارضة غيره كالذي لم يسلم، وفي الابتداء قد سلم عن المعارضة فرأينا أن المهاجرة والتباعد هو الأولى، وفي الدوام تعارضا، فكان الوفاء بحق الأخوة أولى، هذا كله في زلة دينه، أما زلته في حقه بما يوجب إيحاشه) وفوات أنسه (فلا خلاف في أن الأولى العفو والاحتمال) والصفح والتجاوز (بل كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن) لائق (ويتصور تمهيد عذره فيه قريب أم بعيد فهو واجب بحق الأخوة، فقد قيل: ينبغي أن تنبسط لزلة أخيك سبعين عذرا، فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك، فقل لقلبك: ما أقساك! يعتذر إليك أخوك سبعين عذرا فلا تقبله، فأنت المعيب لا أخوك!) .

وقد قيل: القول قد نقل بمعناه عن ابن سيرين فإنه كان يقول: يحتمل الرجل لأخيه إلى سبعين زلة ويطلب له المعاذير، فإن أغناه ذلك وإلا قال: لعل لأخي عذرا غاب عني، وأما رد اللوم على النفس فهو عند اتهامها في سوء أخلاقها وكراهتها لغيرها لسبب أو لغير سبب، فينبغي أن يرد اللوم عليها حينئذ؛ لأن ذلك من وساوس الشيطان فيداوي العبد نفسه برد اللوم عليها، وقد وقع ذلك للعارفين بالله كثيرا فمنها ما تقدم للمصنف في حكاية أبي بكر الكتاني قريبا .




الخدمات العلمية