الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وتعثر الحسن والنبي صلى الله عليه وسلم على منبره فنزل فحمله وقرأ قوله : إنما أموالكم وأولادكم فتنة .

وقال عبد الله بن شداد بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر فلما قضى صلاته قالوا : قد أطلت السجود يا رسول الله حتى ظننا أنه قد حدث أمر ، فقال : إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته .

وفي ذلك فوائد إحداها القرب من الله تعالى فإن العبد أقرب ما يكون من الله تعالى إذا كان ساجدا وفيه الرفق بالولد والبر وتعليم لأمته وقال صلى الله عليه وسلم : ريح الولد من ريح الجنة .

وقال يزيد بن معاوية أرسل أبي إلى الأحنف بن قيس فلما وصل إليه قال له يا أبا بحر ، ما تقول في الولد قال يا أمير المؤمنين ؟ ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة وبهم نصول على كل جليلة فإن طلبوا فأعطهم وإن غضبوا فأرضهم يمنحوك ودهم ويحبوك جهدهم ولا تكن عليهم ثقلا ثقيلا فيملوا حياتك ويودوا وفاتك ويكرهوا قربك ، فقال له معاوية : لله أنت يا أحنف لقد دخلت علي وأنا مملوء غضبا وغيظا على يزيد .

فلما خرج الأحنف من عنده رضي عن يزيد وبعث إليه بمائتي ألف درهم ومائتي ثوب فأرسل يزيد إلى الأحنف بمائة ألف درهم ومائة ثوب فقاسمه إياها على الشطر .

التالي السابق


(وأقبل الحسن) بن علي -رضي الله عنهما- وفي نسخة: دخل الحسن، وفي أخرى الحسين (يتعثر) وفي أخرى تعثر الحسن (وهو على منبره -صلى الله عليه وسلم-) وفي نسخة: والنبي -صلى الله عليه وسلم- على منبره (فنزل) عن المنبر (فحمله وقرأ قول الله تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) .

قال العراقي: رواه أصحاب السنن من حديث بريدة في الحسن والحسين معا يمشيان ويعثران، قال الترمذي: حسن غريب (وقال عبد الله بن شداد) بن الهاد بن عمرو بن جابر بن بشر بن عتوارة الليثي أبو الوليد المدني وأمه سلمى بنت عميس الخثعمية أخت أسماء، وهو وعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد وعبد الله بن جعفر أولاد الخالة من كبار التابعين وثقاتهم فقد يوم دجيل، روى له الجماعة (بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس إذ جاءه الحسين) رضي الله عنهما (فركب عنقه وهو ساجد فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر فلما قضى) -صلى الله عليه وسلم- (صلاته قالوا: قد أطلت السجود حتى ظننا أنه قد حدث أمر، فقال:) كل ذلك لم يكن (إن ابني) كان (قد ارتحلني) أي: ركبني كما تركب الراحلة (فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) .

قال العراقي: رواه النسائي من حديث عبد الله بن شداد عن أبيه وقال فيه الحسن أو الحسين على الشك، ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، قلت: ورواه أيضا أحمد والبغوي والطبراني في الكبير والضياء عنه عن أبيه "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى فسجد فركبه الحسن فأطال السجود، فقالوا: يا رسول الله سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، فقال: كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني" والباقي سواء، قال البغوي: وليس لشداد مسند غيره، وقد ظهر بما تقدم أن هذا من مسند شداد لا ابنه عبد الله، فتعين أن يزاد عن أبيه .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: ريح الولد من ريح الجنة) أي: تشم منه رائحة الجنة لا تشبه بروائح الدنيا"، ومنه الخبر: "الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة" ومنه قيل لعلي -رضي الله عنه- أبا الريحانتين، قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عباس، وفيه مندل بن علي ضعيف. اهـ .

قلت: ورواه البيهقي أيضا في الشعب من هذا الطريق وفي الأوسط شيخ الطبراني محمد بن عثمان بن سعيد ضعيف أيضا .

(وقال يزيد بن معاوية) يكنى أبا خالد ولي الخلافة سنة ستين ومات سنة أربع وستين ولم يكمل الأربعين وليس بأهل أن يروى عنه، له ذكر في مراسيل أبي داود (أرسل معاوية) بن أبي سفيان الأموي يعني والده -رضي الله عنه- (إلى الأحنف بن قيس) التميمي -رضي الله عنه- يكنى أبا بحر (فلما صار إليه قال) له معاوية: (يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟) أي: في منزلته من أبيه، قال: يا أمير المؤمنين (ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة) أي: منقادة (وسماء ظليلة) أي: مظللة (وبهم نصول) أي: نحمل (على كل جليلة فإن طلبوا) مالا (فأعطهم وإن [ ص: 321 ] غضبوا فأرضهم يمنحوك ودهم) أي: حبهم وميلهم (ويحبوك جهدهم) أي: على قدر طاقتهم (ولا تكن عليهم ثقلا) وفي نسخة: قفلا أي: لا تقفل عنهم باب العطاء (فيملوا حياتك ويحبوا وفاتك ويكرهوا قربك، فقال معاوية: لله أنت يا أحنف لقد دخلت علي وأنا مملوء غيظا وغضبا على يزيد) لأنه كان وجد عليه في شيء أنكر عليه ذلك .

(فلما خرج الأحنف من عنده رضي) معاوية (عن يزيد) وليته لم يرض عنه لما كان منه من سفك الدماء وتخريب الأرض ولو لم يكن في صحيفة أعماله إلا واقعة الحرة لكفته ولكن كان ذلك في الكتاب مسطورا وكان أمر الله قدرا مقدورا (وبعث إليه بمائتي ألف درهم ومائتي ثوب فأرسل يزيد إلى الأحنف) منها (بمائة ألف درهم ومائة ثوب قاسمه إياها على الشطر) أي: على النصف .




الخدمات العلمية