الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمقصود أن الالتقاء في غالب العادات ليس يخلو عن أنواع من التصنع والرياء والنفاق وكل ذلك مذموم بعضه محظور وبعضه مكروه .

وفي العزلة الخلاص من ذلك فإن من لقي الخلق ولم يخالقهم بأخلاقهم مقتوه واستثقلوه واغتابوه وتشمروا لإيذائه فيذهب دينهم فيه ويذهب دينه ودنياه في الانتقام منهم .

وأما مسارقة الطبع مما يشاهده من أخلاق الناس وأعمالهم فهو داء دفين قلما يتنبه له العقلاء فضلا عن الغافلين فلا يجالس الإنسان فاسقا مدة مع كونه منكرا عليه في باطنه إلا ولو قاس نفسه إلى ما قبل مجالسته لأدرك بينهما تفرقة في النفرة عن الفساد واستثقاله؛ إذ يصير للفساد بكثرة المشاهدة هينا على الطبع فيسقط وقعه واستعظامه له وإنما الوازع عنه شدة وقعه في القلب فإذا صار مستصغرا بطول المشاهدة أوشك أن تنحل القوة الوازعة ويذعن الطبع للميل إليه أو لما دونه .

ومهما طالت مشاهدته للكبائر من غيره استحقر الصغائر من نفسه ولذلك يزدري الناظر إلى الأغنياء نعمة الله عليه فتؤثر مجالستهم في أن يستصغر ما عنده وتؤثر مجالسة الفقراء في استعظام ما أتيح له من النعم .

وكذلك النظر إلى المطيعين والعصاة هذا تأثيره في الطبع من يقصر نظره على ملاحظة أحوال الصحابة والتابعين في العبادة والتنزه عن الدنيا فلا يزال ينظر إلى نفسه بعين الاستصغار وإلى عبادته بعين الاستحقار وما دام يرى نفسه مقصرا فلا يخلو عن داعية الاجتهاد رغبة في الاستكمال واستتماما للاقتداء .

التالي السابق


(والمقصود أن الالتقاء في غالب العادات ليس يخلو عن أنواع) وأشكال (من التصنع والرياء والنفاق وكل ذلك مذموم بعضه محظور) كالأخيرين (وبعضه مكروه) كالأول (وفي العزلة الخلاص من كل ذلك) وفي بعض النسخ منها (فإن من لقي الخلق ولم يخالقهم بأخلاقهم مقتوه) أي: بغضوه (واستثقلوه) أي: عدوه ثقيلا (واغتابوه وتشمروا لإذايته) والاستطالة فيه (فيذهب دينهم فيه ويذهب دينه ودنياه في الانتقام منهم) والانتصاف بكل ما أمكن فيكون قد شغل نفسه بما يوقعه في الهلاك الأبدي (وأما مسارقة الطبع لما يشاهده من أخلاق الناس وأعمالهم) وهيئاتهم (فهو داء دفين) في الباطن (وما ينتبه له العقلاء) الكاملون (فضلا عن الغافلين) والقاصرين (فلا يجالس الإنسان فاسقا) أو فاجرا ظالما غشوما (مدة) من الزمان (مع كونه منكرا عليه في باطن) أي: على فسقه وفجوره وظلمه (إلا ولو قاس نفسه إلى ما قبل) زمان (مجالسته لأدرك فيها تفرقة في النفرة عن الفساد واستثقاله؛ إذ يصير الفساد بكثرة المشاهدة له هينا على الطبع) سهلا (ويسهل وقعه واستعظامه له) عنه (وإنما الوازع عنه) أي: المانع والحابس (شدة وقعه في القلب) وعظمته فيه (فإذا صار مستصغرا بطول المشاهدة أوشك أن تنحل القوة الوازعة) وتضعف (ويذعن الطبع) أي: يطيع وينقاد (للميل إليه) بذاته (أو لما دونه، ومهما طالت مشاهدته للكبائر) الصادرة (من غيره استحقر الصغائر من نفسه) تهوينا بأمرها .

(ولذلك يزدري الناظر إلى الأغنياء) في تجملاتهم أي: يحتقر (نعمة الله عليه) ولذلك نهي عن النظر إليهم (فيؤثر مجالستهم في أن يستصغر ما عنده من النعم) ويزدريها (وتؤثر مجالسة الفقراء في استعظام ما أتيح له من النعم) وهو يرفل فيها فالمعية مؤثرة على كل حال وإليه الإشارة بقوله وكونوا مع الصادقين (وكذلك النظر إلى المطيعين) من عباد الله تعالى (و) إلى (العصاة) منهم (هذا تأثيره في الطبع) فإن الطبع سراق (فمن يقصر نظره على ملاحظة أحوال الصحابة) رضي الله عنهم (و) أحوال (التابعين) من بعدهم (في) أمر (العبادة) والزهد وإيثار الآخرة (والتنزه عن الدنيا) بالتخلي عنها بالكلية (فلا يزال ينظر إلى نفسه بعين الاستصغار) والاستقلال (وإلى عبادته بعين الاستحقار وما دام يرى نفسه مقصرا) في أحوالها (فلا يخلو عن داعية الاجتهاد) والتشمر والتيقظ (رغبة في الاستكمال واستتماما للاقتداء) بهم .




الخدمات العلمية