الخلاص من شر الناس فإنهم يؤذونك مرة بالغيبة ومرة بسوء الظن والتهمة بالاقتراحات والأطماع الكاذبة التي يعسر الوفاء بها وتارة بالنميمة أو الكذب ، فربما يرون منك من الأعمال أو الأقوال ما لا تبلغ عقولهم كنهه فيتخذون ذلك ذخيرة عندهم يدخرونها لوقت تظهر فرصة للشر فإذا اعتزلتهم استغنيت من التحفظ عن جميع ذلك؛ .
ولذلك قال بعض الحكماء لغيره أعلمك : بيتين خير من عشرة آلاف درهم : ما هما؟ قال:
اخفض الصوت إن نطقت بليل والتفت بالنهار قبل المقال ليس للقول رجعة حين يبدو
بقبيح يكون أو بجمال
لمعاداته ونصب المكيدة عليه وتدسيس غائلة وراءه فالناس مهما اشتد حرصهم على أمر يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم وقد اشتد حرصهم على الدنيا فلا يظنون بغيرهم إلا الحرص عليها قال المتنبي .
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عداته فأصبح في ليل من الشك مظلم
وأنواع الشر الذي يلقاه الإنسان من معارفه وممن يختلط به كثيرة ولسنا نطول بتفصيلها ففيما ذكرناه إشارة إلى مجامعها وفي العزلة خلاص من جميعها .
وإلى هذا أشار الأكثر ممن اختار العزلة . فقال أخبر تقله يروى مرفوعا . أبو الدرداء
وقال الشاعر:
من حمد الناس ولم يبلهم ثم بلاهم ذم من يحمد
وصار بالوحدة مستأنسا يوحشه الأقرب والأبعد