الفائدة السابعة .
للخلق ومجاري أحوالهم . التجارب فإنها تستفاد من المخالطة
والعقل الغريزي ليس كافيا في تفهم مصالح الدين والدنيا .
وإنما تفيدها التجربة والممارسة ولا خير في عزلة من لم تحنكه التجارب فالصبي إذا اعتزل بقي غمرا جاهلا بل ينبغي أن يشتغل بالتعلم ويحصل له في مدة التعلم ما يحتاج إليه من التجارب ويكفيه ذلك ويحصل بقية التجارب بسماع الأحوال ولا يحتاج إلى المخالطة .
ومن أهم التجارب أن يجرب نفسه وأخلاقه وصفات باطنه وذلك لا يقدر عليه في الخلوة فإن كل مجرب في الخلاء يسر وكل غضوب أو حقود أو حسود إذا خلا بنفسه لم يترشح منه خبثه وهذه الصفات مهلكات في أنفسها يجب إماطتها وقهرها ولا يكفي تسكينها بالتباعد عما يحركها؛ .
فمثال القلب المشحون بهذه الخبائث مثال دمل ممتلئ بالصديد والمدة وقد لا يحس صاحبه بألمه ما لم يتحرك أو يمسه غيره فإن لم يكن له يد تمسه أو عين تبصر صورته ولم يكن من يحركه ربما ظن بنفسه السلامة ولم يشعر بالدمل في نفسه وأعتقد فقده ولكن لو حركه محرك أو أصابه مشرط حجام لانفجر منه الصديد وفار فوران الشيء المختنق إذا حبس عن الاسترسال فكذلك ، القلب المشحون بالحقد والبخل والحسد والغضب وسائر الأخلاق الذميمة إنما تتفجر منه خبائثه إذا حرك .
وعن هذا كان السالكون لطريق الآخرة الطالبون لتزكية القلوب يجربون أنفسهم .
فمن كان يستشعر في نفسه كبرا سعى في إماطته حتى كان بعضهم يحمل قربة ماء على ظهره بين الناس أو حزمة حطب على رأسه ويتردد في الأسواق ليجرب نفسه بذلك ، فإن قل من يتفطن لها؛ ولذلك حكي عن بعضهم أنه قال أعدت : صلاة ثلاثين سنة مع أني كنت أصليها في الصف الأول ولكن تخلفت يوما بعذر فما وجدت موضعا في الصف الأول فوقفت في الصف الثاني فوجدت نفسي تستشعر خجلة من نظر الناس إلي وقد سبقت إلى الصف الأول ، فعلمت أن جميع صلواتي التي كنت أصليها كانت مشوبة بالرياء ممزوجة بلذة نظر الناس إلى ورؤيتهم إياي في زمرة السابقين إلى الخير . غوائل النفس ومكايد الشيطان خفية