الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ونور العلم إذا أشرق أحاط بالكل وكشف الغطاء ورفع الاختلاف .

ومثال نظر هؤلاء ما رأيت من نظر قوم في أدلة الزوال بالنظر في الظل فقال بعضهم : هو في الصيف قدمان وحكي ، عن آخر أنه نصف قدم ، وآخر يرد عليه وأنه في الشتاء سبعة أقدام وحكي ، عن آخر أنه خمسة أقدام وآخر يرد عليه فهذا يشبه أجوبة الصوفية واختلافهم فإن كل واحد من هؤلاء أخبر عن الظل الذي رآه ببلد نفسه فصدق في قوله وأخطأ في تخطئته صاحبه؛ إذ ظن أن العالم كله بلده أو هو مثل بلده كما أن الصوفي لا يحكم على العالم إلا بما هو حال نفسه والعالم بالزوال هو الذي يعرف علة طول الظل وقصره وعلة اختلافه بالبلاد فيخبر بأحكام مختلفة في بلاد مختلفة ويقول في بعضها : لا يبقى ظل ، وفي بعضها يطول وفي بعضها يقصر .

التالي السابق


(ونور العلم) الإلهي (إذا أشرق أحاط بالكل) معرفة وكشفا (وكشف الغطاء) عن وجه الحق (ورفع الاختلاف) أي: الحجاب الواقع منه، وفي نسخة: ورفع الحجاب (ومثال نظر هؤلاء ما رأيت من نظر قوم في أدلة الزوال) أي: زوال الشمس (فقال بعضهم: هو في الصيف قدمان، وحكي عن إخراجه نصف قدم، وآخر يرد عليه وأنه في الشتاء سبعة أقدام، وحكي عن إخراجه خمسة أقدام وآخر يرد عليه) اعلم أن الفصول أربعة؛ فالأول الربيع وهو عند الناس الخريف، ودخوله عند حلول الشمس رأس الميزان، والثاني الشتاء ودخوله عند حلول الشمس رأس الجدي، والثالث الصيف ودخوله عند حلول الشمس رأس الحمل، وهو عند الناس الربيع، والرابع القيظ وهو عند الناس الصيف ودخوله عند الشمس رأس السرطان والزوال أول وقت الظهر وأقدار ظله مختلفة باختلاف الأقاليم حسبما بين في محله (فهذا يشبه أجوبة الصوفية واختلافهم فإن كل واحد من هؤلاء أخبر عن الظل الذي رآه ببلد نفسه فصدق في قوله وأخطأ في تخطئة صاحبه؛ إذ ظن أن العالم كله) يعني به الأقاليم السبعة (كبلده) وهو قصور بالغ (كما أن الصوفي لا يحكم على العالم إلا بما هو حال نفسه) وهو معذور فيه (والعالم) المحيط علمه (بالزوال هو الذي يعرف طول الظل وقصره) وتساويه ويعرف الظلين المبسوط والمنكوس وارتفاع الشمس منهما وأن الظل المستعمل هو الظل المنكوس ومقياسه مقسوم على تسعين جزءا، وليس هو ظل أصابع ولا أقدام، ثم يعرف بعد الكوكب بدائرة نصف النهار والدرجة التي تطلع مع الكوكب في أفق المشرق والدرجة التي تغرب معه في أفق المغرب .

(وعلة اختلافه بالبلاد فيخبر بأحكام مختلفة في بلاد مختلفة ويقول في بعضها: لا يبقى ظل، وفي بعضها يطول وفي بعضها يقصر) ولا يقاس بلد ببلد بل يعطي لكل بلد حكمه وما يقتضيه. مثاله: إن مصر من الإقليم الثالث وأوله حيث يكون الظل نصف النهار إذا استوى الليل والنهار ثلاث أقدام ونصف وعشر وسدس عشر قدم، وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار أربع أقدام ونصف وعشر وثلث عشر قدم، ويبلغ ظل النهار في وسطه أربع عشرة ساعة، فأما ظل نصف النهار إذا استوى الليل والنهار فإنه في وسطه وذلك في اليوم السادس عشر من آذار فيكون أربع أقدام وسدسا ثم يختلف بعد ذلك إلى أن ينتهي إلى ستة من آذار فيكون أربع أقدام وخمسة أسداس وعشر سدس قدم، وظل جميع هذا الإقليم متوجه كله إلى الشمال وليس للظل في شيء منه ولا ما بعده من الأقاليم انقطاع كما هو في الإقليم الأول والثاني .




الخدمات العلمية