الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فهذه أقسام الأسفار ، وقد خرج منه أن السفر ينقسم إلى : مذموم وإلى محمود وإلى مباح .

والمذموم ينقسم إلى : حرام كإباق العبد وسفر العاق وإلى مكروه كالخروج من بلد الطاعون .

والمحمود ينقسم إلى : واجب كالحج وطلب العلم الذي هو فريضة على كل مسلم وإلى مندوب إليه كزيارة العلماء وزيارة مشاهدهم .

ومن هذه الأسباب تتبين النية في السفر ، فإن معنى النية الانبعاث للسبب الباعث والانتهاض لإجابة الداعية .

ولتكن نيته الآخرة في جميع أسفاره وذلك ظاهر في الواجب والمندوب ، ومحال في المكروه والمحظور .

وأما المباح فمرجعه إلى النية .

فمهما كان قصده بطلب المال مثلا التعفف عن السؤال ورعاية ستر المروءة على الأهل والعيال والتصدق بما يفضل عن مبلغ الحاجة صار هذا المباح بهذه النية من أعمال الآخرة .

ولو خرج إلى الحج وباعثه الرياء والسمعة لخرج عن كونه من أعمال الآخرة لقوله ، صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات .

فقوله صلى الله عليه وسلم : الأعمال بالنيات عام في الواجبات والمندوبات والمباحات دون المحظورات ، فإن النية لا تؤثر في إخراجها عن كونها من المحظورات وقد قال بعض السلف إن الله تعالى قد وكل بالمسافرين ملائكة ينظرون إلى مقاصدهم فيعطي كل واحد على قدر نيته .

فمن كانت نيته الدنيا أعطي منها ونقص من آخرته أضعافه وفرق عليه همه وكثر بالحرص والرغبة شغله .

ومن كانت نيته الآخرة أعطي من البصيرة والحكمة والفطنة وفتح له من التذكرة والعبرة بقدر نيته وجمع له همه ودعت له الملائكة واستغفرت له .

وأما النظر في أن السفر هو الأفضل أو الإقامة .

التالي السابق


(فهذه أقسام الأسفار، وقد خرج منه أن السفر ينقسم إلى: مذموم وإلى محمود وإلى مباح، والمذموم ينقسم إلى: حرام كإباق العبد) من سيده (وسفر العاق) لوالديه بأن يخرج من غير رضاهما، (وإلى مكروه كالخروج من بلد) فيه (الطاعون، والمحمود) منه (ينقسم إلى: واجب كالحج) إلى بيت الله (وطلب العلم الذي هو فريضة على كل مسلم) وهو تعلم ما لا بد منه، (وإلى مندوب إليه كزيارة العلماء والصلحاء وزيارة مشاهدهم) بعد موتهم، (ومن هذه الأسباب تتبين النية في السفر، فإن معنى النية الانبعاث للسبب الباعث والانتهاض لإجابة الداعية) وقد خصت في غالب الاستعمال بعزم القلب على أمر من الأمور .

(ولتكن نيته الآخرة في جميع أسفاره وذلك ظاهر في الواجب والمندوب، ومحال في المكروه والمحظور، وأما المباح فمهما كان قصده بطلب المال مثلا التعفف عن السؤال ورعاية ستر المروءة على الأهل والعيال والتصدق بما فضل) أي: زاد (عن مبلغ الحاجة صار هذا المباح بهذه النية من أعمال الآخرة) ، وهذا ظاهر (ولو خرج إلى الحج وباعثه الرياء والسمعة) ونحو ذلك (لخرج عن كونه من أعمال الآخرة، فقوله -صلى الله عليه وسلم-: الأعمال بالنيات) رواه بهذا اللفظ الإمام أبو حنيفة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التميمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب مرفوعا، وهو لفظ ابن حبان في صحيحه وللستة بلفظ: إنما (عام في الواجبات والمندوبات والمباحات دون المحظورات، فإن النية لا تؤثر في إخراجها عن كونها من المحظورات وقد قال بعض السلف) ولفظ القوت: ويقال: (إن الله تبارك وتعالى قد وكل بالمسافرين ملائكة ينظرون إلى مقاصدهم فيعطي كل واحد على قدر نيته) ولفظ القوت على نحو نيته .

(فمن كانت نيته) طلب (الدنيا أعطى منها ونقص من آخرته أضعافه وفرق عليه همه وكثر بالحرص والرغبة شغله ومن كانت نيته) طلب (الآخرة) وأهلها (أعطي من البصيرة والفطنة وفتح له من التذكرة والعبرة بقدر نيته وجمع له همه) وملك من الدنيا بالقناعة والزهد شغله (ودعت له الملائكة واستغفرت له) هكذا هو في القوت ومعناه في المرفوع من حديث أنس فيما رواه ابن أبي حاتم في الزهد: من كانت نيته طلب الدنيا شتت الله عليه أمره وجعل الفقر بين عينيه ولم يأته منه إلا ما كتب له، ومن كانت نيته طلب الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة.

وعند الطيالسي وابن ماجه والطبراني من حديث زيد بن ثابت: من كانت نيته الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له.




الخدمات العلمية