الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرخصة الثانية : التيمم بالتراب بدلا عن الماء عند العذر إنما ، يتعذر الماء بأن يكون بعيدا عن المنزل بعدا لو مشى إليه لم يلحقه غوث القافلة إن صاح أو استغاث ، وهو البعد الذي لا يعتاده أهل المنزل في تردادهم لقضاء الحاجة التردد إليه .

وكذا إن نزل على الماء عدو أو سبع فيجوز التيمم وإن كان الماء قريبا .

وكذا إن احتاج إليه لعطشه في يومه أو بعد يومه لفقد الماء بين يديه فله التيمم ، وكذا إن احتاج إليه لعطش أحد رفقائه فلا يجوز له الوضوء ويلزمه بذله إما بثمن أو بغير ثمن ولو كان يحتاج إليه لطبخ مرقة أو لحم أو لبل فتيت يجمعه به لم يجز له التيمم بل عليه أن يجتزي بالفتيت اليابس ويترك تناول المرقة .

ومهما وهب له الماء وجب قبوله ، وإن وهب له ثمنه لم يجب قبوله لما فيه من المنة .

وإن بيع بثمن المثل لزمه الشراء وإن بيع بغبن لم يلزمه .

التالي السابق


(الرخصة الثانية: التيمم بالتراب) وفيه ثلاثة أبواب: الأول: فيما يبيحه وإنما يباح بالعجز عن استعمال الماء بعذره أو بعسره لخوف ضرر ظاهر وللعجز أسباب أشار للسبب الأول بقوله (والتراب بدل عن الماء عند العذر، وإنما يتعذر الماء بأن يكون بعيدا عن المنزل بعدا لو مشى إليه لم يلحقه غوث) الرفاق من (القافلة إن صاح واستغاث، وهو البعد الذي لا يعتاده أهل المنزل في تردادهم لقضاء حوائجهم إلى التردد عليه) .

اعلم أن للمسافر عند فقد الماء أربعة أحوال: إحداها: أن يتيقن عدم الماء حوله فيتيمم ولا يحتاج إلى طلب الماء على الأصح. الثانية: أن يجوز وجوده بعيدا أو قريبا فيجب تقديم الطلب قطعا، ويشترط أن يكون بعد دخول وقت الصلاة . والثالثة: أن يتيقن وجود الماء حواليه إما أن يكون على مسافة ينتشر إليها النازلون للحطب والحشيش والرعي فيجب السعي إليه ولا يجوز التيمم، وهذا فوق حد الغوث الذي يقصده عند التوهم .

قال محمد بن يحيى تلميذ المصنف: تقرب من نصف فرسخ وإما أن يكون بعيدا بحيث لو سعى إليه فإنه فرض فيتمم على المذهب بخلاف ما لو كان واجدا للماء وخاف فوات الوقت لو توضأ، فإنه لا يجوز التيمم على المذهب في التهذيب وجه شاذ أنه يتمم ويصلي في الوقت ثم يتوضأ ويعيد وليس بشيء، وإنما أن يكون بين المرتبتين على ما ينتشر إليه النازلون ويقصر من خروج الوقت فهل يجب قصده أم يجوز التيمم؟ نص الشافعي -رحمه الله- أنه إن كان على يمين المنزل أو يساره وجب، وإن كان صوب مقصده فلم يجب فقيل بظاهر النص، وقيل: فيها قولان: والمذهب جواز التيمم وإن علموا وصوله إلى الماء في آخر الوقت .

الحالة الرابعة: أن يكون الماء حاضرا بأن يزدحم مسافرون على بئر لا يمكن أن يستقي منه إلا واحد بعد واحد لضيق الموقف أو لاتحاد الآلة، فإن توقع حصول نوبته قبل خروج الوقت لم يجز التيمم وإن علم أنه لا يحصل إلا بعد الوقت، فنص الشافعي -رحمه الله- أنه يجب الصبر ليتوضأ .

(وكذا إن نزل على الماء عدو أو سبع فيجوز التيمم وإن كان الماء قريبا) ، وهذا هو السبب الثاني من أسباب العجز وهو الخوف على نفسه أو ماله إذا كان بقربه ما يخاف من قصده على نفسه أو عضوه من سبع أو عدو أو على ماله الذي معه أو المخلف في رحله من غاصب أو سارق أو كان في سفينة وخاف لو استقى من البحر فله التيمم، ولو خاف من قصده الانقطاع عن رفقته تيمم .

(وكذا إن احتاج إليه لعطشه في يومه أو بعد يومه لفقد الماء بين يديه فله التيمم، وكذا إن احتاج إليه لعطش أحد رفقائه فلا يجوز له الوضوء) ، وهذا هو السبب الثالث من أسباب العجز، وفيه مسائل اقتصر منها المصنف على مسألتين: إحداهما: إذا وجد ماء واحتاج إليه لعطشه في الحال أو في المآل جاز التيمم ولا يكلف أن يتوضأ بالماء لجمعة ويشتريه. الثانية: إذا وجد ماء واحتاج لعطش أحد رفقائه في الحال أو في المآل جاز التيمم، ونقل عن المصنف في غير هذا الكتاب تبعا لشيخه إمام الحرمين التردد في عطش رفيقه والمذهب القطع بجوازه ويلحق به الحيوان المحترم، وغير المحترم من الحيوان هو الحربي والمرتد والخنزير والكلب العقور وسائر الفواسق الخمس وما في معناها .

(ويلزمه) في هذه الصور (بذله بثمن أو بغير ثمن) وللعطشان أن يأخذه من صاحبه قهرا إذا لم يبذله (و) من فروع هذا السبب أن (لو كان يحتاج [ ص: 424 ] إليه للقدر حتى يطبخ به مرقة) أو أرزا (أو احتاج إليه لينقع به الكعك) اليابس أو البقسماط وفي معناه الخبز المقدد أو يبل به سويقا (أو ليطبخ به اللحم) أو غيره (لم يجز التيمم بل عليه أن يجتزي) أي: يكتفي (بالكعك اليابس ويترك تناول المرقة) والسويق .

(ومهما وهب له) أي: لعادم الماء (الماء وجب قبوله على الصحيح لو أعير الدلو والرشاء وجب قبوله قطعا، وقيل: إن زادت قيمة المستعار على ثمن الماء لم يجب قبوله ولو أقرض ثمن الماء وجب قبوله) على الصحيح (وإن وهب ثمنه) أو آلة الاستقاء وكان الواهب أجنبيا (لم يجز قبوله لما فيه من المنة) ، وكذا لو وهب الأب أو الابن على الصحيح ولو أقرض ثمن الماء وهو معسر لم يجب قبوله وكذلك إن كان موسرا بمال غائب على الصحيح وصورة المسألة أن يكون الأجل ممتدا إلى أن يصل إلى بلد ماله ولو وجد ثمن الماء واحتاج إليه لدين مستغرق أو نفقة حيوان محترم معه أو لمؤنة من مؤن السفر في ذهابه وإيابه لم يجب شراؤه .

(وإن) فضل على هذا كله و (بيع بثمن المثل لزمه الشراء) ويصرف إليه أي نوع كان معه من المال، (وإن بيع بغبن) أي: بزيادة (لم يلزمه) الشراء، وإن قلت: الزيادة وقيل: إن كانت مما يتغابن بمثلها وجب وهو ضعيف ولو بيع بنسيئة وزيد بسبب الأجل ما يليق به فهو ثمن مثله على الصحيح .

وفي ضبط ثمن المثل أوجه، الأصح: أنه ثمنه في ذلك الوضع وتلك الحالة، والثاني: ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الأوقات، والثالث: أنه قدر أجرة نقله إلى ذلك الموضع واختاره المصنف في كتبه، قال النووي: ولم يتقدمه أحد باختياره ولو بيع آلة الاستقاء وأجرتها بثمن المثل وأجرته وجب القبول فإن زاد لم يجب ذلك، قال الأصحاب: ولو قيل يجب التحصيل ما لم تتجاوز الزيادة ثمن مثل الماء لكان حسنا، ولو لم يجد إلا ثوبا وقدر على سده في الدلو ليستقي منه الماء وأمكن شقه وشد بعضه ببعض لزمه هذا كله إذا لم يحصل في الثوب نقص يزيد على أكثر الأمرين من ثمن المثل وأجرة الحبل .



(تنبيه)

وللعجز أسباب أخر، منها: العجز بسبب الجهل جعله المصنف في كتبه الثلاثة سببا، وأنكره الرافعي وقال: اللائق أن يذكره في آخر سبب الفقد، وقد وجهه النووي بما هو مذكور في روضته، ومنها: المرض وهو ثلاثة أقسام: ما يخاف معه من الوضوء فوت الروح أو فوت عضو أو منفعة عضو، فيبيح التيمم لو خاف مرضا مخوفا يتيمم على المذهب. الثاني أن يخاف زيادة العلة أو بطء البرد أو المرض المدنف أو حصول شيء قبيح في عضو يبدو عند المهنة، أظهر الأقوال جواز التيمم ويجوز الاعتماد على إخبار طبيب حاذق بشرط الإسلام والبلوغ والعدالة .

ومنها: إلقاء الجبيرة وهي تكون للكسر أو الانخلاع، ومنها: الجراحة وهي قد تحتاج إلى لصوق من خرقة أو قطنة أو نحوهما فيكون لها حكم الجبيرة، وقد لا تحتاج. وفي كل منهما مسائل وتفريعات يراجع فيها الشرح الكبير للرافعي .




الخدمات العلمية