الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولو أراد مريد أن يقدر على التحقيق وقتا معينا يشرب فيه متسحرا ويقوم عقيبه ويصلي الصبح متصلا به لم يقدر على ذلك فليس معرفة ذلك في قوة البشر أصلا بل لا بد من مهلة للتوقف والشك .

ولا اعتماد إلا على العيان ، ولا اعتماد في العيان إلا على أن يصير الضوء منتشرا في العرض حتى تبدو مبادي الصفرة .

وقد غلط في هذا جمع من الناس كثير يصلون قبل الوقت .

ويدل عليه ما روى أبو عيسى الترمذي في جامعه بإسناده عن طلق بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كلوا واشربوا ولا يهيبنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر .

وهذا صريح في رعاية الحمرة .

قال أبو عيسى وفي الباب عن عدي بن حاتم وأبي ذر وسمرة بن جندب وهو حديث حسن غريب ، والعمل على هذا عند أهل العلم .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما كلوا واشربوا ما دام الضوء ساطعا. .

قال صاحب الغريبين أي مستطيلا .

فإذا لا ينبغي أن يعول إلا على ظهور الصفرة وكأنها مبادي الحمرة .

وإنما يحتاج المسافر إلى معرفة الأوقات ; لأنه قد يبادر بالصلاة قبل الرحيل حتى لا يشق عليه النزول أو قبل النوم حتى يستريح .

فإن وطن نفسه على تأخير الصلاة إلى أن يتيقن فتسمح نفسه بفوات فضيلة أول الوقت ويتجشم كلفة النزول وكلفة تأخير النوم إلى التيقن استغنى عن تعلم علم الأوقات .

فإن المشكل أوائل الأوقات لا أوساطها .

التالي السابق


(ولو أراد مريد أن يقدر على التحقيق وقتا معينا يشرب فيه متسحرا ويقوم عقبه ويصلي الصبح متصلا به)كما كان يفعله الأعمش، (فليس معرفته في قوة البشر أصلا) لصعوبته (بل لا بد من مهلة للتوقف والشك ولا اعتماد إلا على العيان، ولا اعتماد في العيان إلا أن يصير الضوء منتشرا في العرض) حتى (تبدو مبادي الصفرة) عقب الحمرة (وقد غلط في هذا جمع من الناس كثير فيصلون قبل الوقت، ويدل عليه ما روى) الإمام (أبو عيسى) محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي (الترمذي) الحافظ الضرير أحد الأئمة الستة وقيل: إنه ولد أكمه طاف البلاد فسمع من قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر، وأبي كريب وخلائق، وأخذ علم الرجال والعلل عن البخاري، وقد روى عنه حماد بن شاكر وأحمد بن علي بن هندية ومحمد بن أحمد بن محبوب، ومحمد بن يحيى بن الفرات، والهيثم بن كليب الشاشي وآخرون، وقد سمع البخاري عنه أيضا قال ابن حبان في الثقات: كان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر، قال المستغفري: مات في شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين (في جامعه) المعروف بالسنن (بإسناده) المعروف عن قيس بن طلق (عن) أبيه (طلق بن علي) بن المنذر الحنفي السحيمي أبي علي اليمامي الصحابي -رضي الله عنه- له وفادة وعدة أحاديث، روى عنه ولده قيس وخلدة وغيرهما روى له الأربعة:

(أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كلوا واشربوا ولا يهيدنكم) أي: لا يزعجنكم ولا يمنعنكم الأكل، وأصل الهيد الزجر، يقال: هدته هيدة هيدا إذا زجرته ويقال: في زجر الدواب هيد هيد (الساطع المصعد) وسطوعه ارتفاعه مصعدا قبل أن يعترض (فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر) أي: يستبطن البياض المعترض أوائل الحمرة، وذلك أن البياض إذا تتام طلوعه ظهرت أوائل الحمرة، وقد رواه كذلك أبو داود وابن خزيمة والدارقطني، (وهذا تصريح برعاية الحمرة) قال أبو عيسى: (وفي الباب عن عدي بن حاتم) بن عبد الله بن سعد الطائي أبي طريف صحابي شهير، وكان ممن ثبت في الردة وحضر فتوح العراق وحروب علي، ومات سنة ثمان وستين وهو ابن مائة وعشرين سنة (وأبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري (وسمرة بن جندب) بن [ ص: 453 ] هلال الغزاري حليف الأنصار، مات بالبصرة سنة ثمان وخمسين (وهو حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم) انتهى .

وحديث سمرة لفظه: لا يمنعكم عن سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق. رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم في الصوم، واللفظ للترمذي، ورواه كذلك الطيالسي وأحمد والدارقطني والحاكم وفي لفظ لأبي داود: لا يمنعني من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق الذي هكذا حتى يستطير. رواه عن مسدد، حدثنا حماد بن زيد عن عبد الله بن سوادة عن أبيه قال: سمعت سمرة بن جندب يخطب وهو يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يمنعني. فساقه .

وأما حديث عدي بن حاتم فإنه لما نزل قوله تعالى: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال: أخذت عقالا أبيض وعقالا أسود وضعتهما تحت وسادتي فنظرت فلم أتبين فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فضحك وقال: إن وسادك إذا لعريض طويل، إنما هو الليل والنهار. وقال عثمان: إنما هو سواد الليل وبياض النهار، وقد روي أيضا من حديث ابن مسعود وسلمان بلفظ: لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن بليل ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم وليس الفجر أن يقول هكذا حتى يقول هكذا يعترض في أفق السماء. فحديث ابن مسعود أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن حبان وحديث سلمان أخرجه الطبراني في الكبير .

(فقال ابن عباس) - رضي الله عنهما- (كلوا واشربوا ما دام الضوء ساطعا. قال صاحب الغريبين) غريب القرآن وغريب الحديث، وهو أبو عبيد أحمد بن محمد بن عبد الرحمن القاشاني المروي، من أئمة اللغة والحديث، روى عن أحمد بن محمد بن ياسين وأبي إسحاق أحمد بن محمد بن يونس البزار الحافظ وغيرهما، وأخذ علم اللغة عن الأزهري وغيره، واشتهر بها روى عنه أبو عثمان الصابوني وعبد الواحد المليجي وغيرهما، ذكره الشيخان ابن الصلاح والنووي في طبقات الشافعية، توفي في رجب سنة إحدى وأربعمائة نقل عنه الرافعي في الحيض وغيره في تفسيره لهذا الحديث (أي) مادام (مستطيلا) في الأفق كذنب السرحان .

(فإذا لا ينبغي أن يعول إلا على ظهور الصفرة وكأنها مبادي الحمرة) هكذا ذكره إمام الحرمين في النهاية، (وإنما يحتاج المسافر إلى معرفة الأوقات; لأنه قد يبادر بالصلاة قبل الرحيل) أي: قبل انتقاله من موضعه (حتى لا يشق عليه النزول) ثانيا (أو) يبادر بها (قبل النوم حتى يستريح، فإن وطن نفسه على تأخير الصلاة إلى أن يتيقن) دخول الوقت (فتسمح نفسه بفوات فضيلة أول الوقت) الذي هو رضوان الله (ويتجشم) أي: يتحمل (كلفة النزول وكلفة تأخير النوم إلى التيقن استغنى عن تعلم علم الأوقات فإن المشكل) أي: الملتبس إنما هي (أوائل الأوقات) على ما مر بينها (لا أوسطها) ولا أواخرها والله أعلم .

وبه تم كتاب آداب السفر، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وسلم .

قال مؤلفه -رحمه الله تعالى-: فرغ منه في الثالثة من ليلة الخميس سابع شهر رمضان المبارك سنة 1199 على يد مؤلفه أبي الفيض محمد مرتضى الحسيني غفر الله له بمنه وكرمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .




الخدمات العلمية