الدرجة الثانية : النظر في الصوت الطيب الموزون فإن الوزن وراء الحسن فكم من صوت حسن خارج عن الوزن ، وكم من صوت موزون غير مستطاب .
والأصوات الموزونة باعتبار مخارجها ثلاثة فإنها إما أن تخرج من جماد ، وإما أن تخرج من حنجرة حيوان وذلك الحيوان إما إنسان أو غيره كصوت العنادل والقماري وذات السجع من الطيور فهي مع طيبها موزونة متناسبة المطالع والمقاطع ، فلذلك يستلذ سماعها . كصوت المزامير والأوتار وضرب ، القضيب والطبل وغيره
والأصل في الأصوات حناجر الحيوانات ، وإنما وضعت المزامير على أصوات الحناجر وهو ، تشبيه للصنعة بالخلقة .
وما من شيء توصل أهل الصناعات بصناعتهم إلى تصويره إلا وله مثال في الخلقة التي استأثر الله تعالى باختراعها فمنه ، تعلم الصناع وبه قصدوا الاقتداء وشرح ذلك يطول .
فسماع هذه الأصوات يستحيل أن يحرم لكونها طيبة أو موزونة فلا ذاهب إلى تحريم صوت العندليب وسائر الطيور .
ولا فرق بين حنجرة وحنجرة ولا بين جماد وحيوان .
فينبغي أن يقاس على صوت العندليب الأصوات الخارجة من سائر الأجسام باختيار الآدمي كالذي يخرج من حلقه أو من القضيب والطبل والدف وغيره .
ولا يستثنى من هذه إلا الملاهي والأوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع منها لا للذتها إذ لو كان للذة لقيس عليها كل ما يلتذ به الإنسان .
ولكن حرمت الخمور واقتضت ضراوة الناس بها المبالغة في الفطام عنها حتى انتهى الأمر في الابتداء إلى كسر الدنان فحرم معها ما هو شعار أهل الشرب وهي الأوتار والمزامير فقط ، وكان تحريمها من قبل الأتباع كما حرمت الخلوة بالأجنبية لأنها مقدمة الجماع وحرم النظر إلى الفخذ لاتصاله بالسوأتين وحرم قليل الخمر وإن كان لا يسكر ; لأنه يدعو إلى السكر وما من حرام إلا وله حريم يطيف به وحكم الحرمة ينسحب على حريمه ليكون حمى للحرام ووقاية له وحظارا مانعا حوله كما قال صلى الله عليه وسلم فهي محرمة تبعا لتحريم الخمر لثلاث علل : . إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه
إحداها أنها : تدعو إلى شرب الخمر ، فإن اللذة الحاصلة بها إنما تتم بالخمر ولمثل هذه العلة حرم قليل الخمر .